الثلاثاء، 18 يوليو 2017

الشيخ إبراهيم بوركهارت... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الشيخ إبراهيم بوركهارت
عماد أبو غازي
 عرفه أجدادُنا في مصر وبلاد الشرق في الفترة ما بين عامي 1809 و1817باسم الشيخ إبراهيم بن عبد الله، عاش بينهم وتجول بين ربوع سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، استقر في مصر ومنها انطلق إلى الجنوب ووصل إلى النوبة وشمال وشرق السودان وزار بلاد الحجاز ثم عاد إلى مصر وتوفي بها قبل أن يكمل عامه الثالث والثلاثين.


 إنه يوهان لودفيج بوركهارت والمعروف كذلك باسم جون لويس بوركهارت الشاب السويسري الذي ولد في مدينة لوزان في 25 نوفمبر من عام 1784 وأمضى طفولته في مدينة بازل في منزل أسرته الذي تحول الآن إلى متحف، وقد تلقى الصبي الصغير تعليمه الأولي مع أخواته على أيدي مدرسين خصوصيين بمنزل أسرته ببازل، وفي سن السادسة عشرة سافر ليدرس القانون والفلسفة والتاريخ في مدينتي لايبزيج وجوتيجن بألمانيا حاليا، وقضى هناك خمس سنوات بين عامي 1800 و 1805، كانت عائلته تعده للعمل في المحاماة أو الدبلوماسية أو التجارة، لكن الأقدار كانت تخبئ له مسارا آخر.

 عندما عاد الشاب يوهان لودفيج بوركهارت وهو في الحادية والعشرين من عمره إلى بازل لم يجد عملا بسهولة، فسافر بعد فترة إلى لندن بحثا عن عمل هناك، لكنه لم يوفق رغم ما كان يحمله من شهادات دراسية ورسائل توصية، وبعد عامين من المعاناة حصل الشاب على أول وظيفة له في لندن، وهنا لعبت المصادفة دورا كبيرا في تغيير مسار حياته، وفي دفعه إلى علاقة بعالم جديد لم يفكر في اقتحامه من قبل، أفريقيا والشرق، إلتقى بوركهارت بالسير جوزيف بانكس رئيس الجمعية الأفريقية، أو "جمعية تشجيع اكتشاف المناطق الداخلية من أفريقيا" التي تأسست عام 1788 في لندن، فحتى ذلك الحين لم يكن لدى الأوروبيين معرفة دقيقة بالأجزاء الداخلية من القارة الأفريقية، وكانت معرفتهم قاصرة على المناطق الساحلية وقليل من الأجزاء الداخلية من بعض البلدان مثل مصر، وقام السير بانكس بإلحاق بوركهارت بالجمعية وكلفه بالسفر إلى وسط وغرب أفريقيا، إلى حوض النيجر عبر مصر، وعند هذه النقطة تحولت حياة بوركهارت تماما.
 كانت الرحلة تحتاج إلى إعداد خاص للتمكن من تحقيق أهدافها، فقامت الجمعية الأفريقية بإرسال بوركهارت إلى جامعة كمبردج لتعلم اللغة العربية، ودراسة الكمياء والفلك وعلم الفلزات والطب.
 وفي شهر فبراير من عام 1809 بدأ بوركهارت ـ ولم يكن قد بلغ الخامسة والعشرين بعد ـ الرحلة إلى الشرق، أبحر متجها إلى مالطا، ومنها إلى مدينة حلب السورية التي وصلها في شهر يوليو، وقضى هناك ثلاث سنوات لمزيد من تعلم اللغة العربية والتعرف على الثقافة المحلية في منطقة المشرق العربي، وأثناء إقامته في حلب أطلق بوركهارت لحيته على الطريقة الشرقية وأرتدى ملابس عربية وسمى نفسه الشيخ إبراهيم بن عبد الله، ثم أعلن اعتناقه الإسلام واتجه إلى دراسة القرآن.
 وخلال إقامته بحلب قام بوركهارت بالترحال في المناطق المحيطة بها، فتجول بين عدد من المدن السورية كما توجه إلى شمال العراق، وزار المناطق الأثرية في تدمر في سوريا وبعلبك في لبنان، وفي يونيو من عام 1912 توجه إلى مصر ليبدأ في تنفيذ مهمته الأفريقية.


 وفي طريقه إلى مصر مرورا بفلسطين وشرق نهر الأردن مر بأطلال مدينة البتراء وكتب عنها: "صرفت فترة 15 يوما في الصحراء ما بين البحر الميت والبحر الأحمر .... وفي وسط المسافة بين البحرين تقوم آثار مدينة مهيبة تقع في وادي موسى، ويُحتمل أن تكون البتراء، فيها نشاهد مدافن ذات زخرفة منحوتة في الصخر، وبقايا معابد وقصور ومدرجات وقنوات مياة وغيرها من الغرائب والروائع النادرة التي تجعل هذه المدينة أكثر إثارة للاهتمام من أي شيء أخر شاهدته في حياتي".
 وفي سبتمبر 1812 وصل الشيخ إبراهيم إلى القاهرة لينتقل منها إلى قلب أفريقيا مع قافلة فزان، ولكن تأخر موعد القافلة وحبه للاكتشاف دفعه لاستثمار الوقت في رحلة خطط لها أن تكون قصيرة في الصعيد، وطالت الرحلة، وقادته إلى عوالم جديدة. غادر القاهرة في خريف سنة 1812 إلى أسنا ومنها توجه إلى بلاد النوبة، حيث سجل ملاحظاته حول عادات أهل النوبة وشمال شرق السودان وعادات البدو في المناطق الصحراوية، كما شاهد آثار جنوب مصر وبلاد النوبة، ودون مشاهدته للأجزاء الظاهرة من أحد معبدي أبو سمبل المطمور تحت الرمال، وكان ذلك قبل اكتشاف بلزوني الإيطالي للمعبد بأكثر من ثلاثين عاما، وإن كان اهتمامه الأكبر في تلك الرحلة قد انصب على دراسة المراكز التجارية وطرق التجارة.

 وفي صيف عام 1814 عبر بوركهارت البحر الأحمر من سواكن إلى جدة ومنها إلى مكة والمدينة حيث مكث هناك ثلاثة أشهر أدى خلالها فريضة الحج، وعاد إلى القاهرة منتصف سنة 1815، ومنها قام برحلة سريعة إلى سيناء ثم استقر بالقاهرة إلى أن مات بتسمم غذائي في 15 أكتوبر سنة 1817 ودفن بمدافن باب النصر.


 وقد اقتنى بوركهارت خلال رحلته بالشرق عشرات المخطوطات العربية النادرة، كما خلفت رحلاته عددا من الأعمال المهمة: أولها ترجمة لروبنسن كروز إلى العربية هي الأولى من نوعها، وثلاث رحلات: رحلة إلى النوبة وبلاد السودان، ورحلة في سوريا والأراضي المقدسة، ورحلة في الجزيرة العربية، ثم كتاب ضمنه ملاحظاته على البدو والوهابيين، وكتاب آخر جمع فيه الأمثال العربية الشائعة في مصر، وقد ترجمت كل أعماله إلى العربية منذ خمسينيات القرن الماضي، وشكلت مصدرا مهما لدراسة تاريخ الشرق في تلك المرحلة، كما قدم لنا بوركهارت معرفة تاريخية جديدة عن مصر والعالم المحيطة بها من خلال رؤية عين فاحصة مدققة.

الدستور 21 مايو 2008

هناك تعليق واحد:

  1. ورد ان "بلزوني" اكتشف معبد ابو سمبل الكبير بعد ثلاثين عاما من مشاهدة "بوركهات". لكن الثابت تاريخيا أن بوركهارت شاهد رؤوس التماثيل الضخمة فى واجهة المعبد المطمور فى الرمال (يوم 22 مارس 1813م)، بينما دخل بلزونى فى جوف المعبد وسجل اسمه نقشا على الحائط الشمال لغرفة قدس الأقداس يوم 1 أغسطس 1817م. ولذا الفترة بينهما لا تزيد عن ثلاث سنوات وخمسةا أشهر فقط. والثابت أن بوركهات هو من دل بلزوني على مكان المعبد عام 1815م، وحاول بلزونى دخول المعبد اول مرة عام 1816م لكن فشل. شكرا لكم المقال الجيد. أخوكم دكتور قاسم زكى (جامعة المنيا، مصر) مؤلف كتاب (تعام الشمس على معبد ابو سمبل) عام 2019م، وأيضا كتاب (تاريخ مصر: أشهر لصوص الثار المصرية: بلزونى من لاعب سيرك مغمور إلى مكتشف كنوز مشهور. تحياتي للجميع

    ردحذف