الأحد، 16 يوليو 2017

رحلة ضيوف الخديوي إسماعيل... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
رحلة ضيوف الخديوي إسماعيل
عماد أبو غازي

 صدر مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة مجلدًا يحمل عنوان: "دليل رحلة ضيوف الخديوي إسماعيل لزيارة آثار مصر بمناسبة افتتاح قناة السويس 1869"، والكتاب أقدم دليل سياحي معروف عن آثار مصر، وقد ألفه عالم المصريات أوجست مارييت، الذي عاش في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد كتبه بناء على طلب الخديوي إسماعيل، وكتبه بالفرنسية ليكون دليلًا للضيوف الأجانب الذين زاروا مصر سنة 1869 لحضور حفل افتتاح قناة السويس، وقد رتب لهم الخديوي زيارة لآثار القاهرة المسيحية والإسلامية، ثم  توجهوا في رحلة نيلية لزيارة الآثار المصرية القديمة والآثار اليونانية والرومانية في صعيد مصر، واستغرقت جولتهم الأثرية التي صحبهم فيه مارييت 25 يومًا.


 ومؤلف الكتاب ودليل الرحلة في ذات الوقت أوجست مارييت كان من علماء المصريات البارزين في القرن التاسع عشر، ويعد مؤسس مصلحة الآثار المصرية، التي تطورت إلى أن أصبحت اليوم المجلس الأعلى للآثار، وكانت للرجل أياد بيضاء على آثار مصر ومتحفها، وكما يقول الدكتور عبد الحليم نور الدين في مقدمته لترجمة الكتاب: "إن مارييت يمثل علامة بارزة على تاريخ علم المصريات، ترك بصمات واضحة على الآثار من حيث اكتشافاته الأثرية العديدة"، كما يؤكد أنه رغم سلبيات الرجل التي تمثلت في إخراج بعض آثار مصر إلى فرنسا، فإن ميزان العدالة يرجح كافة إيجابياته، فقد كان للرجل موقفًا جريئًا وقويًا في مواجهة قرار الخديوي إسماعيل بإهداء الآثار التي كانت موجودة في متحف بولاق ومتحف الجيزة إلى الإمبراطورة أوﭽيني، لقد ألب الرجل الرأي العام في فرنسا ضد القرار الذي كان سيسلب مصر تاريخها، كما ألح بقوة على الإمبراطورة حتى أقنعها بالامتناع عن قبول الهدية الثمينة، ولولا موقف الرجل الذي انحاز إلى جانب تراث مصر وتاريخها ضد بلده الأم فرنسا، لما كان هناك متحفًا للآثار المصرية، فمجموعات متحف بولاق والجيزة كانت النواة التي قام عليها المتحف المصري في أوائل القرن العشرين، وكانت أمانة مارييت بك، باشا فيما بعد مثالًا على إعلاء المبادئ فوق المصالح، وقد استحق الرجل أن تحتفي به مصر بنصب تذكاري يضم رفاته في حديقة المتحف المصري بالقاهرة، يعلوه تمثالًا كاملًا لمارييت باشا، وشارعًا يحمل اسمه إلى جوار المتحف المصري.
 ويقع النص الأصلي للكتاب باللغة الفرنسية في 180 صفحة، بالإضافة إلى خريطة توضح مسار الرحلة، ويشرح الكتاب الآثار المصرية القديمة واليونانية الرومانية والمسيحية والإسلامية التي زارها ضيوف الخديوي إسماعيل، والكتاب يرصد تفاصيل الرحلة، وتقع الترجمة العربية في 250 صفحة، ويضم المجلد بالإضافة إلى الترجمة العربية التي قام بها الدكتور عباس أبو غزالة، النص الفرنسي للكتاب  مصورًا عن طبعته الأصلية، فضلًا عن  مجموعة من الصور والخرائط، حيث قام الدكتور أبو غزالة بإعادة الرحلة مرة أخرى بنفسه، وصور بعدسته الآثار التي شرحها ووصفها مارييت في كتابه، فالكتاب الأصلي يخلو من الصور والرسوم، كما ضمن الكتاب أيضًا بعض الصور والرسوم القديمة، ليصبح الكتاب الذي صدر مزدوج اللغة في طبعة فاخرة عملًا علميًا وفنيًا وثقافيًا فريدًا، أضافت إليه تعليقات الدكتور عبد الحليم نور الدين قيمة علمية فوق قيمته.
 وكشف عباس أبو غزالة  مترجم الكتاب في الندوة التي نظمها المركز القومي للترجمة بمقر المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة صدور الكتاب، عن قصته مع هذا الكتاب النادر الذي اكتشفه لأول مرة بمكتبة بلدية الإسكندرية، ثم عصر على نسخة ثانية منه بدار الكتب المصرية، كما روى عن كيفية تحققه من نسبة الكتاب إلى مؤلفة أوجست مارييت، فالكتاب لا يحمل اسم مؤلف، لكنه عثر على نص مخطوط مدون على إحدى نسختي الكتاب كتبه مالك النسخة الأصلي يشير فيه إلى أن مؤلف الكتاب هو مارييت بك بناء على أمر من الخديوي إسماعيل، وفي مقدمته للترجمة يسجل المترجم الظروف التاريخية المصاحبة للرحلة التي يسجلها الدليل.
 ومترجم الكتاب متخصص في فن المسرح والعروض المسرحية في القرن السابع عشر، وقد حصل على الدكتوراه في المسرح الفرنسي من جامعة السوربون، وهو كاتب ومترجم ومؤرخ من مؤرخي قناة السويس وما ارتبط بها من أحداث ثقافية وفنية، وقد قاده اهتمامه بعصر حفر القناة إلى ترجمة ورشة حفر قناة السويس لنتالي مونتيل الذي صدر عن دار عين منذ ثلاث سنوات، كما نظم منذ عامين معرضًا لتصميمات ملابس وديكورات العرض الأول لأوبرا عايدة بقصر الأمير طاز، وهي المجموعة التي أصبحت الآن من مقتنيات متحف دار الأوبرا المصرية، ويعد الآن لإصدار كتاب من تأليفه عن أوبرا عايدة.
 ويعد كتاب دليل رحلة ضيوف الخديوي إسماعيل لزيارة آثار مصر، العمل الثاني من مؤلفات أوجست مارييت الذي يصدر عن المشروع القومي للترجمة، فمنذ شهور قليلة صدر في سلسلة ميراث الترجمة كتاب "تاريخ قدماء المصريين" في طبعة مصورة عن الترجمة العربية الأولى للكتاب التي صدرت عام 1864، وكان قد قام بترجمتها عبد الله أفندي أبو السعود، وقد قدم لتلك الطبعة عالم المصريات الدكتور محمد إبراهيم بكر، ويشكل الكتابان معًا إطلاله على علم المصريات في مراحله المبكرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما يعرفان بواحد من أبرز المشتغلين بهذا العلم في تلك المرحلة.
الدستور 20 فبراير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق