الأربعاء، 5 يوليو 2017

ميت سنة جامعة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
ميت سنة جامعة
عماد أبو غازي

 في هذا الشهر يبدأ الاحتفال بمئوية الجامعة المصرية، احتفال يستمر لمدة عام من ديسمبر 2007 إلى ديسمبر 2008 ذكرى مرور مئة عام على افتتاح الجامعة المصرية وبدء الدراسة بها في ديسمبر 1908، لتكتمل بها مؤسسات الثقافة في الدولة المصرية الحديثة بعد المتحف والمكتبة الوطنية والأرشيف القومي، وإذا كانت تلك المؤسسات الثلاثة قد بدأت بداية حكومية رسمية، فإن الجامعة بدأت أهلية خاصة واستمرت كذلك قرابة عشرين عامًا.
  فمنذ بداية النهضة المصرية الحديثة في القرن التاسع عشر دخل التعليم الحديث إلى البلاد جنبًا إلى جنب مع التعليم التقليدي الذي كان يمثله الأزهر، ففي عصر محمد على اتجهت الدولة إلى إنشاء المدارس العليا الحديثة، لكن الهدف منها كان قاصرًا على تخريج العناصر التي تحتاج إليها مشروعات محمد على فقط.
 ومع انهيار مشروع محمد على لبناء إمبراطورية عربية، بعد تحالف الدول الأوروبية والدولة العثمانية ضده، تراجعت كثير من أركان البناء الداخلي لدولته، ثم كان الانهيار الأكبر لمؤسسات التعليم الحديث في عصر حفيده عباس الأول، الذي يصفه المؤرخون بأنه عصر الرجعية والظلام.
 إلا أن القرن التاسع عشر في مصر كان زمنًا لمد والجزر، للنهوض والانكسار، للتقدم والتراجع، في كل مجالات الحياة المصرية، فسرعان ما عادت النهضة العلمية والتعليمية مرة أخرى في عصر إسماعيل، فدبت الحياة في المدارس العليا التي ظهرت في زمن محمد على، وأضيفت إليها مدارس جديدة، كانت دار العلوم الإضافة الأساسية التي شهدها عصر إسماعيل، فقد افتتحت في عام 1872، بهدف تخريج معلمين للعمل في المدارس المدنية، وقد جمعت دار العلوم بين تدريس علوم اللغة العربية وبعض العلوم الشرعية، وتدريس المعارف الأوروبية الحديثة فكانت نمطًا جديدًا من التعليم في مصر، لكن عصر إسماعيل انتهى بأزمة الديون وصعود الحركة الوطنية، والتدخل الأوروبي لعزل إسماعيل وتعيين ابنه توفيق بدلًا منه، وفي صيف 1882 بدأ الاحتلال البريطاني لمصر، وكانت نتائجه سلبية إلى ابعد الحدود على السياسة التعليمية في البلاد، فتراجع التعليم العام، وانخفض الإنفاق عليه إلى اقل من 1% من الموازنة العامة لمصر، وانخفض دور المدارس المهنية العليا وانخفضت أعداد المنتسبين إليها، كذلك تحول التدريس في كثير من تلك المدارس العليا إلى اللغة الإنجليزية بدلًا من العربية، وأصبح غالبية المدرسين فيها من الأجانب.
 وقبل أن تستقبل مصر القرن الجديد كانت بوادر الصحوة الوطنية تشرق على البلاد من جديد، أثرت هذه الصحوة على التعليم، ففي تسعينات القرن التاسع عشر أخذت عناصر الصحوة تتسع وتأخذ إشكالًا ايجابية من خلال الصحافة الوطنية ومظاهرات الطلاب ولمعت أسماء لجيل جديد من الوطنيين المصريين كان في مقدمتهم الزعيم مصطفي كامل، وكانت الحركة الوطنية المصرية باتجاهاتها المختلفة تدرك أن نمو المقاومة يعتمد على نمو الوعي وارتفاع مستوى التعليم ومن هنا بدأت الدعوة إلى إنشاء المدارس والى إقامة الكليات الجامعية الحديثة في مصر.

 جاءت البدايات الأولى لفكرة، إنشاء جامعة مصرية في عام 1894، من خلال تقرير كتبه يعقوب أرتين وكيل المعارف، والذي رأى أن المدارس المهنية العليا القائمة في ذلك الوقت لم تعد كافية، وإن البلاد في حاجة إلى كلية جامعة، وعندما استشعر معارضة سلطات الاحتلال البريطاني وعلى رأسها اللورد كرومر للفكرة توقف عن تجديد الدعوة لها.

جورجي زيدان
 لكن الدعوة تجددت مرة أخرى لإنشاء الجامعة المصرية على يد الصحفي والأديب جورجي زيدان، صاحب مجلة الهلال خلال عامي 1899 و1900. فقد نشر زيدان عدة مقالات في الهلال يدعو فيها إلى إنشاء مدرسة كلية مصرية توفر تعليمًا عاليًا حديثًا باللغة العربية داخل الوطن، بحيث لا يضطر المصريون للسفر إلى أوروبا.


 وتكررت الدعوة للفكرة مرة ثالثة في أكتوبر من عام 1904 في جريدة اللواء التي كان يصدرها مصطفى كامل مع اقتراب الاحتفال بالذكرى المئوية لتولى محمد على باشا لحكم مصر، حيث دعت اللواء إلى إنشاء كلية مصرية، وأوصت بتسميتها كلية محمد علي.
 ومنذ ذلك الحين تحركت الدعوة للاكتتاب الشعبي من أجل إنشاء جامعة مصرية، وفي شهور قليلة تجمع مبلغ ثمانية آلاف جنيه كنواة أولى للمشروع. ورغم العقبات التي وضعها الخديوي عباس حلمي في ذلك الوقت، ورغم المعارضة المستترة للمندوب السامي البريطاني اللورد كرومر فقد اتسعت الدعوة لإنشاء الجامعة المصرية، خاصة عندما انضم إلى الداعين للمشروع عديد من المفكرين على رأسهم الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وأحمد فتحي زغلول وشقيقه سعد زغلول، كما تحمس للفكرة بعض أمراء الأسرة العلوية الحاكمة وفي مقدمتهم الأمير أحمد فؤاد الذي أصبح ملكًا فيما بعد، وأخته الأميرة فاطمة إسماعيل، وساند الدعوة عدد من الأعيان وكبار الملاك على رأسهم أحمد المنشاوي باشا من الغربية ومصطفى كامل الغمراوي بك من بني سويف.

مصطفى كامل الغمراوي بك
 وأخذت الفكرة تكتسب أنصارًا متزايدين في كل يوم فنشطت الدعوة لها في الصحف الوطنية، واتسعت حركة الاكتتاب، وعندئذ رأى البعض ضرورة عقد اجتماع للاتفاق على الخطوات العملية لتحويل الفكرة إلى حقيقة، وأبدى سعد زغلول الذي كان مستشارًا في محكمة الاستئناف في ذلك الوقت استعداده لعقد الاجتماع بداره، وفي يوم الجمعة 12 أكتوبر سنة 1906 التقى سبعة وعشرون من الداعين للمشروع في دار سعد زغلول واستقر رأيهم على تشكيل لجنة مؤقتة لمباشرة العمل على تنفيذ مشروع الجامعة المصرية، وتم اختيار سعد زغلول وكيلًا لرئيس اللجنة وقاسم أمين سكرتيرًا عامًا لها، وحسين سعيد أمينًا للصندوق، أما مقعد الرئاسة فقد ترك ليشغله أحد أمراء الأسرة العلوية الحاكمة، لتبدأ مرحلة جديدة في العمل من أجل إنشاء الجامعة المصرية.

الدستور ديسمبر 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق