الخميس، 27 يوليو 2017

فريد ونجيب... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
فريد ونجيب...
                                                                                                   عماد أبو غازي


رسالة على الفيسبوك من الصديق محمد مختار يتساءل فيها عن مغزى نقل تمثال محمد فريد من مكانه القديم إلى ميدان أبو ظريفة؟ يقول في رسالته:
 "مع الثورة الإنشائية التي أحدثها الخديوي إسماعيل بتشييده لما يسمى الأن "القاهرة الخديوية" تم إقامة عدة ميادين ذات طابع أوروبي، مبنية على الطرز الأيطالية والفرنسية والبلجيكية، مزينة بتماثيل".


 وكما يشير في رسالته فقد صنعت التماثيل الأولى بأيدي أوروبيين وجميعها كانت لأفراد من الأسرة العلوية الحاكمة مثل محمد علي وإبراهيم باشا والخديوي إسماعيل أو كبار رجال الدولة من أصول غير مصرية مثل سليمان باشا الفرنساوي ولاظ أوغلي ونوبار باشا، وكان أول تمثال ميدان لمصري تمثال الزعيم مصطفى كامل، وقد نحته هو الآخر نحات أوروبي عقب وفاة مصطفى كامل في فبراير سنة 1908، وكما كان أول تمثال لمصري فقد كان أول تمثال يشييد باكتتاب شعبي، لكنه كان اكتتابًا شعبيًا محدودًا من أعضاء الحزب الوطني وأنصاره.


 وبعد ثورة 1919 دخل إلى الساحة النحاتين المصريين وفي طليعتهم مختار بتمثاله الذي التفت حوله الأمة، تمثال نهضة مصر، وتبع مختار نحاتين مصريين من الأجيال التالية لجيله منهم عبد القادر رزق ومنصور فرج وأحمد عثمان ومصطفى نجيب وجمال السجيني ثم فاروق إبراهيم وعبد العزيز صعب، وفي السنوات الأخيرة شارك نحاتين من أجيال أصغر في نحت تماثيل الميادين والحدائق من أبرزهم طارق الكومي، وأصبحت تماثيل المصريين تحتل ميادين القاهرة بعد أن كانت حكرا على المصريين من أصول أجنبية، وكانت البداية بتمثالي الزعيم سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية وقد نحتهما مختار عقب وفاة سعد، وتمثال آخر لسعد ببنها لا أذكر الآن ـ للأسف ـ من نحته ومتى نصب في موضعه، وعقب جريمة إغتيال أحمد ماهر باشا أقيم تمثال له أمام كوبري الجلاء بالقاهرة، وبعد إنقلاب يوليو 1952 أقيمت عدة تماثيل احتلت عددًا من الميادين والحدائق العامة، منها تماثيل طلعت حرب ومحمد فريد وأحمد شوقي وابن خلدون بالقاهرة والجيزة، وأحمد عرابي بالشرقية، والعقاد بأسوان، ثم كان التوقف عن إقامة التماثيل الميدانية لسنوات باستثناء تماثيل بعض زعماء أمريكا اللاتينية التي أقيمت في إطار اتفاقيات لتبادل تماثيل الزعماء السياسيين بين مصر وبعض تلك الدول، إلى أن بدأت المدن المصرية تشهد في السنوات الأخيرة إقامة تماتيل الميادين والحدائق مرة أخرى.
 أعود لرسالة الصديق محمد مختار التي يقول فيها:
 "مؤخرًا عمدت الدولة إلى تجميل بعض الساحات والأماكن بتماثيل تذكارية لأبطال ورواد وزعماء مصر، كنجيب محفوظ وطه حسين وأحمد شوقي والفريق عبد المنعم رياض وعمر مكرم ومحمد فريد وهو بيت القصيد".


 يسترسل قائلا:
 "صنع تمثال محمد فريد المثال المصري منصور فرج، وتم وضع التمثال على نصبه وسط شارع 26 يوليو من جهة العتبة الخضراء حيث أزيح عنه الستار عام 1958 وفي العام الحالي أي عام 2008 تقرر نقل التمثال إلى ميدان محمد نجيب، عبد السلام عارف سابقًا."
 وهنا نفهم سبب التساؤل الاستنكاري في الرسالة فالميدان الذي يعلو محطة مترو الأنفاق التي أطلق عليها اسم الرئيس محمد نجيب ويفترض أنه يحمل اسم الرئيس نجيب أول رئيس للجمهورية في مصر، ينبغي أن يوضع فيه تمثال لمحمد نجيب وليس لمحمد فريد.
 ويتسأل محمد مختار "لماذا هذا التشويش؟ هل يقام التمثال لمداراة ومواراة تداول أسم اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر عن قصد كما حدث من قبل في كل كتب التاريخ؟  أم هي الألآجة، أي الفخامة بالمفهوم العشوائي، التي استشرى وباؤها في كافة مناحي حياتنا؟".
 وفضلا عن ذلك فلمحمد ملاحظات فنية على وضع التمثال الجديد، يقول: "ناهيكم أن الوضع المثبت عليه التمثال ليس صحيح! فالتمثال يعطي ظهره للمارة بدلا من استقبالهم.. تماما كما حدث مع مستنسخ رمسيس الثاني بشارع صلاح سالم، فأن العادة قد جرت على أن يستقبل المرحب مجابها ضيفه، وعلى الضيف أن يلتفت لوداع مضيفه وهذا عكس ما تم!".
 ويشير محمد مختار في رسالته إلى المشاكل الفنية في عدد من الأعمال الميدانية والتي تتكرر كثيرًا في السنوات الأخيرة داعيا إلى "تعديل الحسابات وتصحيح المسار القائم عليه عمل مثل هذه الأنشاءات والتي تقام لتدوم عصور وقرون."


 الحقيقة أنا متفق تمامًا مع محمد مختار في أن الرئيس محمد نجيب تعرض طوال سنوات لحملة ظالمة، وأذكر تمامًا أنه في الستينيات كان اسمه غائب تمامًا من كتب التاريخ، وعندما كنت تلميذًا في المرحلة الابتدائية وذكرت ذات مرة لزملائي في الفصل أن أول رئيس لمصر محمد نجيب وليس عبد الناصر اعتبروني مخرف، وسألوا المدرسة التي ارتاعت لمجرد ذكر اسم نجيب في الفصل واشفقت على أهلي من هذا الطفل طويل اللسان الذي من الممكن "إنه يوديهم ويوديها في داهية"، فبعد أزمة مارس سنة 1954 وهزيمة نجيب ومجموعته جرت محاولة منظمة لحذفه من ذاكرة الوطن، رغم أن انقلاب الضباط الأحرار لم يكن متاحًا له أن ينجح لولا اسم نجيب، أو ربما لهذا السبب سعوا إلى إزالته من الوجود، وانطبق عليه المثل الشعبي المصري "أخر خدمة الغز علقة"، ولم يفرج عن اسم نجيب ويرد له بعض اعتباره، وأوكد بعض اعتباره، إلا في عصر السادات وبعد حرب أكتوبر، ثم نال أول تكريم مع مشروع مترو الأنفاق الثاني عندما وجه الرئيس مبارك بإطلاق اسمه على محطة عابدين.


ورغم اتفاقي مع مختار في الظلم الذي تعرض له نجيب إلا أنني لا أظن إطلاقًا أن نقل تمثال فريد إلى ميدان أبو ظريفة جزء من مؤامرة على ذكرى الرجل، ففريد هو الأخر زعيم مظلوم، لكنه مظلوم لأنه جاء بين مصطفى كامل وسعد زغلول، فضاعت ذكراه بينهما رغم دوره المهم في تاريخنا الوطني وتضحياته الكبيرة في سبيل قضية الوطن، والحال الذي آل إليه الميدان الذي وضع فيه تمثاله كان مذريًا، وكان قرار نقله صائبًا، خصوصا أن الميدان الذي نقل إليه يتوسط الشارع الذي يحمل اسمه، ومصر مليئة بالميادين الخالية والحدائق العامة التي يمكن أن يقام فيها تمثال يليق بأول رئيس لمصر في العصر الجمهوري، ولحديث التماثيل بقية.

الدستور 16 يوليو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق