الخميس، 20 يوليو 2017

1968...من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
1968
عماد أبو غازي


 كان عام 1968 عامًا للطلاب على مستوى العالم كله ففي ذلك العام شهدت بلدان العالم شرقًا وغربًا انتفاضات طلابية كانت إيذانًا بميلاد عصر جديد، من الشرق الأقصى إلى الولايات المتحدة مرورًا بألمانيا وفرنسا وتشيكوسلوفاكيا، خرج طلاب العالم ثائرين على الأوضاع في بلادهم وفي العالم، مطالبين بالتغيير وبالإصلاحات داخل الجامعات، رافعين شعارات الديمقراطية الحقيقية والإصلاح الاجتماعي في بلدانهم، منادين بالسلام والعدل على الصعيد العالمي.


 ربيع براغ وقمعه



 كانت تلك الحركات الطلابية التي غلب عليها الطابع اليساري تنبئ بميلاد يسار جديد مختلف ومستقل وبعيد عن الأحزاب اليسارية التقليدية، وخلقت الحركة الطلابية الجديدة جسورًا من التواصل مع مجموعات من المثقفين المستقلين أثروا فيها وتأثروا بها. وبلغت تلك الحركات الذروة في شهر مايو 1968، في حركة الطلاب الفرنسيين التي أسقطت الجنرال ديجول وهو من هو عن رئاسة فرنسا قبل أن تنتهي مدته الدستورية، لقد شعر الرجل أن المجتمع الفرنسي في حالة حراك اجتماعي وغليان سياسي، فقرر أن يختبر قوته في الشارع الفرنسي من خلال استفتاء دستوري، ورهن مستقبله السياسي بنتيجة الاستفتاء، ورغم أن أغلبية الفرنسيين وافقت على المشروع الذي طرحه ديجول إلا أنه كان قد شرط لبقائه في رئاسة الجمهورية حصول مشروعه على نسبة معينة من التأييد في الاستفتاء، فلما لم يحصل عليها استقال من منصبه.



 ولم تكن مصر بعيدة عن كل هذا، بل كان لطلابها السبق في مظاهرات عام 1968 على مستوى العالم، وكانت هذه هي المفاجأة التي جاءت بعد سنوات صمت طويلة للحركة الطلابية المصرية. فمع وصول الضباط الأحرار للحكم في يوليو 1952 تعرضت الجامعة مثل غيرها من مؤسسات الدولة لما سمي بالتطهير ففقدت مجموعة من خيرة أساتذتها، وأهم من ذلك فقدت استقلالها، كما جرم النظام الجديد التظاهر وصادر حق الطلاب في تنظيماتهم الطلابية المستقلة، واكتملت سيطرة النظام على الجامعات بعد انتصار عبد الناصر وجناحه في أزمة مارس 1954 على الرئيس محمد نجيب وأنصاره الذين كانوا يدعون إلى عودة الحياة الديمقراطية، وحاصر النظام النشاط السياسي للطلاب إلا ما تم منه داخل الأطر السياسية لتنظيمات النظام مثل الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب التابعة له. كانت المظاهرات الطلابية الوحيدة المسموح بها تلك التي تخرج تأييدًا للنظام، أو للقضايا العربية والدولية التي يتبنها، وتعرض مئات من الطلاب المنتمين إلى التنظيمات والأحزاب التي تم حلها خاصة الوفديين والشيوعيين والإخوان للاعتقال والسجن.


 ثم كانت هزيمة يونيو 1967 لطمة أفاقت قوى المجتمع الحية بعدها، لقد ارتبطت الحركة الطلابية منذ ميلادها في بدايات القرن العشرين بالنضال من أجل الاستقلال الوطني، فكانت القضية الوطنية دوما عصب النضال الطلابي في مصر واستمرت المحرك الأساسي للطلاب لعقود طويلة، من هنا فقد كان من الطبيعي أن تعود الروح للحركة الطلابية بعد الهزيمة واحتلال الأرض، وجاءت البداية مع عام 1968، فكانت مظاهرات طلاب وعمال مصر في القاهرة والجيزة والإسكندرية في فبراير 1968.
 لقد بدأت الأحداث بمظاهرات عمال حلوان احتجاجًا على الأحكام التي صدرت ضد قادة الطيران الذين اتهموا بالمسئولية عن النكسة واعتبرها العمال أحكامًا هينة، وأدى التصدي العنيف للمظاهرات من جانب قوات الشرطة إلى انتقال الاحتجاج إلى الجامعة، وكان اليوم يوافق 21 فبراير، يوم كفاح الطلاب ضد الاستعمار، الذي يحيه العالم كله في ذكرى طلاب مصر الذين استشهدوا في 21 فبراير 1946، وإذا كانت المظاهرات العمالية وشعاراتها قد تمحورت حول أحكام الطيران وضرورة محاسبة المسئولين عن النكسة، فإن الحركة الطلابية رفعت شعارات تتعلق بالديمقراطية وحق تكوين اتحاد عام لطلاب الجمهورية، وإلغاء الحرس الجامعي، وإلغاء نظام الريادة، ذلك النظام الذي كان يفرض وصاية كاملة من أعضاء هيئة التدريس على الأنشطة الطلابية، وبالطبع كان أعضاء هيئة التدريس الذين يتولون مهام الريادة الطلابية من الموالين للنظام عادة.
 بقدر ما كانت هزيمة يونيو صدمة لمصر كلها كانت مظاهرات الطلاب والعمال في فبراير 1968 صدمة للنظام الذي كان يتصور أنه نجح في تدجين الشعب وتحويله إلى قطيع يسير خلف القائد ويسبح بحمده.
 وقد حاول عبد الناصر احتواء الروح الجديدة التي عادت فأصدر بيان 30 مارس في محاولة لتجديد النظام وتحسين صورته، وأعيد انتخاب الاتحاد الاشتراكي العربي من القاعدة إلى القمة، وتم حل مجلس الأمة وأجريت انتخابات جديدة، وشُكلت وزارة جديدة برئاسة عبد الناصر مرة أخرى، عرفت تلك الوزارة بوزارة الجامعة لأنها ضمت عددًا كبيرًا من أساتذة الجامعة في تشكيلها، وبدأ النظام على صعيد الثقافة يهتم تدريجيًا بتقديم التراث الفني للمرحلة الليبرالية، وأصبح البحث في تاريخ "العصر البائد" بموضوعية مسموح به أحيانًا، وتصور النظام أن الأمور استقرت، لكن إجابة الطلاب كانت سريعة فقد شهدت بداية العام الدراسي التالي 1968 / 1969 مظاهرات طلابية أقوى من سابقتها وأكثر جذرية في مطالبها تفجرت في نوفمبر عام 1968.
 لم تقتصر الصحوة على الطلاب بل امتدت إلى المثقفين فبدأ جيل من الكتاب والنقاد والمبدعين الشبان يطرح نفسه مستقلًا عن السلطة، فتشكلت مجموعات ثقافية وفنية جديدة، وظهرت الأغنية السياسية المعارضة على يد الثنائي إمام ونجم، وظهرت تجربة مجلة "جاليري 68" كشكل جديد لاستقلال حركة المثقفين، وظهر من خلالها جيل جديد من المبدعين ما زال تأثيره في الحياة الثقافية قائمًا إلى يومنا هذا.
 لكن أهم آثار مظاهرات 1968 كانت إنشاء الأمن المركزي.

الدستور 4 يونيو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق