الخميس، 24 أغسطس 2017

بين قوسين... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
بين قوسين
عماد أبو غازي
 وأنا أكتب هذه السطور تكون تسعة أيام قد مضت على بدأ المجزرة الإسرائيلية في غزة، وتكون 24 ساعة قد انقضت على الغزو البري الإسرائيلي لغزة، شهداء جدد يسقطون كل يوم، وأعداد الجرحى في تصاعد... ما تفعله إسرائيل ليس جديدًا فالدولة الصهيونية دولة عنصرية ترتكب المذبحة تلو المذبحة ضد الشعب الفلسطيني طوال ستين عامًا، دولة قامت على نفي الآخر لتحل محله.
 الأربعاء الماضي دعا مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر إلى مؤتمر تضامني مع الشعب الفلسطيني في غزة، وإلى اعتصام لمدة ساعة بمقر الاتحاد ينتهي بوقفة احتجاجية رمزية ضد العدوان الإسرائيلي.

 ذهبت إلى مقر الاجتماع في الموعد المحدد، بدء المؤتمر في موعده في تمام الواحدة ظهرًا والقاعة نصف خالية نصف ممتلئة، قبل أن ينتهي المؤتمر كانت القاعة الرئيسية بمبنى الاتحاد قد امتلأت بكاملها، لكن الحضور ظل أقل بكثير مما كنت أتوقع، كان على رأس الحضور الكاتب الكبير محمد سلماوي رئيس الاتحاد وأعضاء مجلس الإدارة، كما حضر عدد من كبار كتاب مصر ونقادها من أعضاء الاتحاد وأعضاء الفرع المصري لنادي القلم على رأسهم بهاء طاهر وخيري شلبي ومحمد عفيفي مطر وإبراهيم عبد المجيد وإقبال بركة وفتحية العسال ومحمد إبراهيم أبو سنة والدكتور محمد عبد المطلب وغيرهم... لكن غاب الكثيرون.
 ما راعني ليس الغياب، لكن بعض كلمات الحضور التي تعكس حالنا، حال النخبة المثقفة في مجتمعنا، الحال الذي أظن أنه يقدم إجابة عن السؤال المر المهم الذي طرحه الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة في كلمته عندما قال بصدق: لماذا لا يتعاطف معنا العالم رغم فداحة ما نتعرض له، ويتعاطف مع أوضاع أقل مأساوية؟
 هذا الحال الذي يتجلى بوضوح في بعض الكلمات التي ألقيت في المؤتمر، والتي تعكس ما وصل إليه خطابنا السياسي من تشوش وفقدان للاتجاه، وأظنه ليس بجديد مثلما همجية إسرائيل وعنصريتها ليست بجديدة، لكن ربما المفاجأة في امتداد مثل هذا الخطاب إلى نخبة مثقفة.
 لقد كان الهدف من الكلمات التي ألقيت في المؤتمر تقديم مقترحات تسهم في صياغة البيان الذي يصدر عن الاتحاد، ويفترض أن يتم توجيهه إلى اتحادات الكتاب في العالم ـ أو هكذا فهمت ـ في محاولة لحشد تأييد كتاب العالم لوقف المذبحة الإسرائيلية في غزة.
 ماذا قال كتابنا ومبدعونا؟
 يتحدث كاتب مبدع عن أنه لا مجال لأي نقد لحركة حماس وإنه ينبغي أن نقف جميعا خلفها بغض النظر عن مواقفها الفكرية والسياسية، فعندما تكون هناك قضية وطنية تؤجل كل القضايا الأخرى! هل يمكن أن نقبل هذا؟ هل نحن نؤيد المقاومة كقيمة في حد ذاتها، أم أننا نحدد موقفنا من أي حركة مقاومة في ضوء مواقفها وأهدافها؟ وإذا كنا أمام حركة للمقاومة تدعو لدولة دينية تقوم على التمييز هي حماس في مواجهة دولة عنصرية همجية هي إسرائيل، فهل نؤيدها لمجرد أنها ضد إسرائيل؟ هل يمكن أن نؤيد مواجهة العنصرية بعنصرية مضادة؟ والتمييز بتمييز مضاد؟ هل يمكن أن نؤيد ـ نحن الكتاب ـ حركة تصادر حرية الفكر والإبداع بدعاوى دينية لمجرد أن هذه الحركة تقاوم؟ هذه الحركة التي خرجت منذ ميلادها لتشق وحدة الصف الفلسطيني، وتحول القضية من قضية استقلال وطني إلى حرب دينية، وتجعل من الحركة الوطنية الفلسطينية حركة تعصب ديني بعد أن كانت حركة تحرر وطني! وعندما نجحت حماس في الوصول إلى السلطة حققت أهم انجازاتها في التراجع بالقضية الفلسطينية من شعار دولتين لشعبين إلى دولتين لشعب واحد، وأعتقد أنه لا معنى للقول بأن حركة حماس وصلت إلى السلطة بصناديق الانتخاب، فبمثل هذه الصناديق وصل هتلر إلى الحكم فدمر شعبه وبلده.
 هل يمكن أن نؤجل كل القضايا لحين حل قضايانا الوطنية؟ هل يمكن أن نستمر في ترديد هذا المنطق المغلوط الذي قادنا طوال ستين سنة من هزيمة إلى هزيمة، وجعلنا ضحايا للاستبداد السياسي ولم يحقق لنا حل القضية بل زادها تعقيدًا؟ إن هذا المنطق يتناقض مع تراثنا في النضال الوطني الديمقراطي الذي لم يفصل أبدًا بين قضية الاستقلال وقضية الديمقراطية حتى سقط هذا المنطق تحت سطوة الأنظمة الاستبدادية التي تتابعت علينا منذ منتصف القرن الماضي.
 ويتحدث مبدع كبير آخر عن المؤامرة الكونية اليهودية مستحضرًا خطاب بروتكولات حكماء صهيون، قائلًا بخيال شعري إنه يفتش حتى في الكوارث الطبيعية التي تصيب العالم عن مصالح إسرائيل.
 مبدع كبير ثالث يعترض عن توجيه الانتقاد لخطاب حسن نصر الله المتعالي المستفز مؤكدًا أن 80 % من المصريين يعلقون صور نصر الله في منازلهم، ولأني من ال 20% أتسأل أليس من حقنا أن نرفض حديث نصر الله في شأننا الداخلي مثلما رفض هو من قبل حديث المسؤلين المصريين عن الوضع في لبنان أثناء العدوان الإسرائيلي في يوليو 2006؟
 كاتب كبير آخر يطالب بالنص في البيان على أن الجهاد السبيل الوحيد لحل القضية، وإن هذا ما كان منذ زمن الحروب الصليبية، بالله عليكم هل يمكن أن نخاطب كتاب العالم بمثل هذا الخطاب؟ ثم نعود فنغضب عندما لا يتضامنون معنا! ثم يطالب الإعلام المصري بعدم التركيز على قضية مقتل الضابط المصري على الحدود على أيدي عناصر حماس، إن حجة كاتبنا الكبير إن كل يوم يشهد سقوط قتيل مصري على يد مصري آخر، وإن إسرائيل قتلت من قبل جنودًا مصريين على الحدود، هل يمكن أن نقبل هذا أو نقوله في بيان يصدر باسم كتاب مصر؟ هل نقبل أن تقتل حماس ضابطًا مصريًا داخل حدودنا لمجرد أن القاتل من حماس وأن إسرائيل قتلت جنودًا مصريين من قبل؟
 يتحدث رئيس الاتحاد عن إعداد سجل مصور لجرائم إسرائيل عبر تاريخها باللغات الأجنبية لإرساله لاتحادات كتاب العالم، فتطالب كاتبة كبيرة بإضافة أسماء المطبعين مع إسرائيل للسجل؟ ما شأن كتاب العالم بالمطبعيين المصريين؟
ما راعني مرة أخرى أن كل من تحدثوا كتابًا كبارًا ومبدعين حقيقيين أثروا ومازالوا يؤثرون بإبداعهم في وجداننا، نكن لهم جميعًا حبًا واحترامًا في قلوبنا.
هل يمكن بعد هذا أن نجد إجابة على سؤال شاعرنا الكبير؟

الدستور 7 يناير 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق