الجمعة، 4 أغسطس 2017

النحاس وحادثة 4 فبراير... وجهة نظر أخرى... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
النحاس وحادثة 4 فبراير... وجهة نظر أخرى
عماد أبو غازي
 تلقيت على بريدي الإلكتروني رسالة من الدكتورة هدى أباظة تعقب فيها على سلسلة المقالات التي تناولت فيها مصطفى النحاس، والدكتورة هدى أباظة أستاذة جامعية متخصصة في الأدب الفرنسي، وهي من المدافعات البارزات عن استقلال الجامعة، ولها اهتمام بالتاريخ فضلا عن اهتمامها بالأدب، صدر لها منذ شهور كتابًا مهمًا عن جدها محمود فهمي النقراشي أحد الوجوه الوطنية البارزة في الحقبة الليبرالية، وقد صدر الكتاب عن دار الشروق في سلسلة الوجهه الآخر للتاريخ التي كان يشرف عليها المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق، وقد حاولت من خلال الوثائق والأوراق الخاصة للنقراشي باشا أن تقدم رؤية جديدة تزيل بعض من الظلم الكبير الذي لحق بالنقراشي معتمدة على وثائقه وأوراقه الخاصة.
النقراشي باشا
 وقد استأذنتها في أن أنشر رسالتها التي تحمل وجهة نظر مغايرة لما طرحته في مقالي حول حادثة 4 فبراير 1942، تقول الدكتورة هدى أباظة في رسالتها:
 "توقفت فى عدد الأربعاء الموافق 27 أغسطس عند الصورة التى رسمتها للنحاس؛ وهى صورة أضفت بعدًا جديدًا لهذه الشخصية، مغايرًا لما أتيح لى أن أعرفه عن النحاس من خلال الأسرة ـ وهى عمومًا لا تحمل ودًا كبيرًا للنحاس، أو للوفد ـ ومن خلال مطالعاتى المتواضعة؛ إلا إننى فرحت بما كتبته عن النحاس، عن دفاعه عن الدستور، وعن سعيه لاقرار مبدأ مساءلة الوزراء، ثم ما كان من موقفه المشرف من الملك فؤاد؛  لأنه أتاح لى أن أراجع نفسى، أو بالأحرى أراجع الصورة التى فى ذهنى عن ذلك الرجل.
ولكننى تعجبت فى الأسبوع التالى من إصرارك على تبرئة ساحة النحاس من حادثة 4 فبراير. قبل أن أناقشك فى ذلك الموضوع لعلنى ألخص فى عجالة الحجج التى استندت عليها:
1 – وضع داخلى دقيق فى ظل حكومات أقلية، أو حكومات إدارية.
2 – ميل الملك الشديد نحو المحور.
3 – صعود تيارات سياسية تدين بالنازية والفاشية، إلى جانب تيار دينى قوى معاد للديمقراطية.
4 – رغبة النحاس فى الانتصار لقضية الديمقراطية.
بل ذهبت لأبعد من ذلك ناسبًا للنحاس دورا فى هزيمة االنازية والفاشية.
وبداية سوف أربط بين النقطة الأولى والأخيرة لأذكرك بما كان من موقف إحدى حكومات الأقلية، وبالتحديد حزب السعديين، بالاضافة إلى حفنة من الأحرار الدستوريين، على رأسهم محمد باشا محمود تجاه مسألة دخول الحرب إلى جانب بريطانيا، تلك الحرب التى كان الرأى العام السائد يرى أنه لا ناقة لنا فيها ولا جمل، على حد مقولة الشيخ المراغى الشهيرة من أعلى منبر الأزهر؛ إذ جاء رأى السعديين مخالفًا تمامًا للاتجاه السائد، لينادوا بدخول الحرب إلى جانب بريطانيا لاعتبارات عدة منها أن فى عدم دخول الحرب اعتراف ضمنى بمشروعية أن تقوم بريطانيا بتلك المهمة، منها أنه إذا دخل الجيش المصرى الحرب إلى جانب بريطانيا فسوف يتم تدريبه بشكل أفضل، ولا شك أن عددًا من اليهود انخرطوا فى صفوف الجيش البريطانى فخرجوا من الحرب بتدريب عال المستوى أفادوا منه فيما بعد بفلسطين... وكان السعديون يراهنون على أن لبريطانيا مقومات عدة تؤهلها للانتصار فى النهاية، على عكس ما كانت تنبىء به تطورات الحرب فى بدايتها؛ فاتسم موقفهم ببعد النظر، بعيدًا عن الدعاية الرخيصة، وممالأة الرأى العام؛ مما كلف أحمد ماهر حياته.
كما أنه لدى ـ ضمن أوراق جدي ـ خطابًا شديد اللهجة رفعه أحمد ماهر فى أعقاب هذا الحادث المشؤم إلى السفير البريطانى يعرب فيه عن اعتقاده بأنه لا بد أن يكون قد سبق هذا الحادث اتفاق مسبق بين الوفد وبين قصر الدوبارة؛ فما كان السفير البريطانى ليغامر بمطالبة تولى الوفد الحكم دون أن يكون واثقًا من أن رئيسه لا بد من أن يوافق، وإلا كان موقفه غاية فى الحرج فى حالة الرفض.
 وأعتقد أن لهذه الحجة وجاهتها، خاصة إذا أضفنا إليها علاقة الوفد القديمة بالانجليز من خلال صديقهم الأثير أمين عثمان، الذى كان أيضا من المقربين من النحاس؛ بل تؤكد الوثائق البريطانية أن النحاس هو نفسه كان كثير التردد على السفير البريطانى، حتى أنه يسر إليه ـ قبل أن يعلن ذلك، أو يعلم زميل الكفاح - بعزمه التخلص من النقراشى، الذى كان يشكل مع أحمد ماهر الجناح الأكثر تشددًا فى الوفد ـ فى التغيير الوزاري المرتقب بعد اعتلاء فاروق العرش خلفًا لوالده الملك فؤاد.
 ثم كان موقف النحاس خلال الاجتماع الذي دعا إليه الملك رؤساء الأحزاب المختلفة عقب تلك الحادثة للتشاور يدعو للريبة، حيث أصر على رفض جميع الاقتراحات التى أبداها رؤساء الأحزاب المجتمعين؛ وكان المراد من هذه الاقترحات إيجاد صيغة لحفظ ماء الوجه؛ ولكن النحاس تمسك برفضه تشكيل حكومة ائتلافية، متشبثًا بحكومة وفدية خالصة.
وفى النهاية أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك، ولكننى أردت فقط أن أبدى وجهة نظرى فى موضوع يهمنا جميعا، لأنه فى النهاية تاريخ بلدنا المفتأت عليه، وعليها."
 إلى هنا تنتهي رسالة الدكتورة هدى أباظة، أنشرها كما هي دون تعليق مني فقد قدمت دفاعي عن النحاس باشا في هذه القضية في مقالي السابق، وليس لدي ما أقوله سوى أني لا أخفي أبدًا إنحيازي لمصطفى النحاس وللحقبة الليبرالية في تاريخ مصر.
 الدستور 24 سبتمبر 2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق