الاثنين، 21 أغسطس 2017

صاحب براءة ابتكار الوفد المصري... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
صاحب براءة ابتكار الوفد المصري
عماد أبو غازي
 من كان صاحب فكرة تشكيل الوفد؟
 سؤال يُطرح بإلحاح بين المؤرخين والساسة منذ تسعين سنة، وتنحصر نسبة فكرة تشكيل الوفد المصري بين ثلاثة من رجال ذلك العصر:

سعد زغلول
 أولهم سعد باشا زغلول مؤسس الوفد وزعيمه ورئيسه الأول الذي كان وكيلًا منتخبًا للجمعية التشريعية وناظرًا ـ أي وزيرًا ـ للمعارف والحقانية في عدة تشكيلات وزاريه قبل الحرب العالمية الأولى، والذي يعتبره المؤرخون أول ناظر من أبناء الفلاحين في عصر الاحتلال، وترجع علاقته بالعمل الوطني إلى زمن الثورة العرابية وبداية عصر الاحتلال.

حسين باشا رشدي
 وثانيهما حسين باشا رشدي طبوزاده رئيس الوزراء ذو الأصول التركية الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس النظار أو ناظر النظار منذ أبريل من سنة 1914، وعاصر إعلان الحماية البريطانية على مصر وكان وقتها نائبًا للحضرة الخديوية أثناء سفر عباس حلمي الثاني خارج البلاد إلى جانب عمله كناظر للنظار، وحمل على كاهله عبء التعامل مع سلطات الحماية في فترة الانتقال من نظام الخديوية إلى نظام السلطنة، وكان أول من حمل لقب رئيس مجلس الوزراء في مصر في إطار التحولات التي صاحبت إعلان السلطنة في مصر، وذلك في ديسمبر سنة 1914، واستمر في منصبه حتى 22 أبريل سنة 1919، أي أنه عاصر سنوات الحرب كلها واستمر حتى قيام الثورة.

الأمير عمر طوسون
 أما ثالث الثلاثة فهو الأمير عمر طوسون سليل أسرة محمد علي، المعروف بمواقفه الوطنية المشوبه بميول عثمانية وبعدائه للاحتلال البريطاني، وكذلك بميوله الإصلاحية، وكان الأمير يعد من المناصرين للحركة الوطنية داخل الأسرة العلوية واستمرت مواقفه في الدفاع عن الاستقلال والدستور مع مجموعة من أمراء أسرة محمد علي في مرحلة ما بعد الثورة، ثورة 19 طبعًا.
 ولكل واحد من الثلاثة قصة مع تشكيل الوفد المصري، إنها ثلاث قصص متقاطعة تنتهي كلها إلى ما حدث يوم 13 نوفمبر سنة 1918 وما تلاه من أيام مجيده في تاريخ مصر الحديث.
 الأمر المؤكد أن النخبة السياسية المصرية كانت تنتظر انتهاء الحرب العظمى كي تحصل مصر على استقلالها التام، فالعلاقة بالدولة العثمانية قد انتهت رسميًا وفعليًا، بل إن الدولة العثمانية نفسها كانت توشك على أن تلقى حتفها، ومبرر إعلان الحماية البريطانية على مصر ينتهي بانتهاء الحرب، وبالتالي فالمنطق الطبيعي لابد أن يقود إلى إعلان استقلال البلاد بإعلان الهدنة، كذلك أحيا إعلان الرئيس الأمريكي ولسن لمبادئه الأربعة عشر الشهيرة، ثم لما ردده في خطبه السياسية في العام الأخير للحرب حول حق تقرير المصير لشعوب الأرض الآمال في النفوس، لكن هل يحصل المصريون على استقلالهم دون مطالبة؟ بالطبع لا، لابد من هيئة أو وفد مصري يفاوض من أجل هذا الاستقلال ويطالب به.
لا شك إذا في أن فكرة المطالبة بالاستقلال بعد الحرب كانت تشغل الساسة المصريين، لكن ممن جاءت البداية؟
 يكاد يتفق الجميع على أن الأمير عمر طوسون كان أول من طرح الفكرة بشكل واضح ومستقيم، ويقول الأمير عن ذلك بعد سنوات من الأحداث: "إن فكرة إرسال وفد رسمي للمطالبة بحقوق مصر في مؤتمر الصلح، الذي أزمع عقده في نهاية الحرب العالمية الأولى قد خطرت ببالنا بعدما صرح الدكتور ولسن رئيس جمهورية الولايات المتحدة بمبادئه الأربعة عشر المشهورة في 8 يناير سنة 1918، تلك النقاط التي تمنح الحق لكل أمة صغرت أو كبرت في تقرير مصيرها، ولما كانت مسألة مصر، بناء على هذا الاعتبار، مسألة دولية، وليس لدولة دون سواها أن تنفرد بالنظر فيها، وأن مثل هذه المسألة الهامة تحتاج إلى درس وتمحيص قبل اجتماع المؤتمر، حتى لا يأتي يوم انعقاده إلا ونحن جميعا مستعدون للمطالبة بحقوق بلادنا كاملة، ولا يضيع علينا الوقت سدى، فقد دفعنا ذلك إلى التكلم مع المرحوم محمد سعيد باشا في شأنها (كان محمد سعيد ناظرًا للنظار قبل حسين رشدي باشا كما عاد إليها مرة أخرى بعد استقالة رشدي سنة 1919) فاقترح علينا أن نتكلم فيها مع المرحوم سعد زغلول باشا لشخصيته البارزة في الهيئة الاجتماعية وفي الجمعية التشريعية، فاستصوبنا هذا الرأي وصممنا عليه، ولم تمكنا المقادير من مقابلة سعد باشا إلا في الحفلة التي أقامها المرحوم رشدي باشا في ليلة 9 أكتوبر سنة 1918 بكازينو سان استفانو احتفالًا بعيد جلوس المغفور له الملك أحمد فؤاد الأول، وذلك قبل الهدنة والصلح، لأن نهاية الحرب كانت قد بدأت في هذا التاريخ، وفي تلك الليلة ذكرنا لسعد باشا قرب انتهاء الحرب وانعقاد مؤتمر الصلح، وإنه يحسن بمصر أن تفكر في إرسال وفد للمطالبة بحقوقها أمام هذا المؤتمر. فاستحسن الفكرة ووعد بالتكلم مع أصدقائه فيها عند عودته إلى القاهرة وأن يخبرنا بالنتيجة".
 هذه رواية الأمير للموضوع، فماذا كانت رواية سعد زغلول؟

الدستور 3 ديسمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق