الخميس، 24 أغسطس 2017

مصر في حركة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
مصر في حركة
عماد أبو غازي
 كانت الخطوة الأساسية على طريق حشد الشعب المصري وتنظيمه في اتجاه الثورة حركة جمع التوقيعات على توكيل الوفد المصري في السعي من أجل استقلال البلاد، لقد أتى رفض سلطات الاحتلال الاعتراف بسعد وزملائه كوفد يمثل الأمة بعواقب وخيمة على الاحتلال، فكانت الفكرة البسيطة والعبقرية في ذات الوقت هي أن يحصل الوفد على تفويض أو توكيل من الأمة بتمثيلها في التفاوض من أجل استعادة حرية البلاد، وكان جمع التوقيعات من المصريين فردًا فردًا سبيل الوفد إلى توحيد الشارع المصري خلف السعي نحو الاستقلال، وكان بداية الطريق إلى ترسيخ قيادة الوفد للأمة، وإبراز سعد زغلول كزعيم للحركة الوطنية المصرية.

سعد
 فبعد أن أقر الوفد صيغة التوكيل النهائي في أعقاب الحوار الذي دار بين سعد وأعضاء من الحزب الوطني في بيت سعد الذي أصبح بيتًا للأمة، انطلقت حركة جمع التوقيع على التوكيلات بطول البلاد وعرضها، ومعها انطلقت روح جديدة في الأمة، كانت البداية لحركة التوقيعات على التوكيلات بعد طبع الصيغة الأخيرة، ووزعت التوكيلات أولًا على أعضاء الهيئات النيابية، ثم امتد توزيعها بين مختلف الجماعات والتجمعات، وسرعان ما انتشرت حركة جمع التوقيعات على التوكيل من القاهرة إلى المدن والقرى في شمال البلاد وجنوبها، وشاعت الحركة بين مختلف طبقات الأمة.


حسين باشا رشدي
 ويجمع المؤرخون الذين درسوا ثورة 1919 وأرخوا لها على أن الموقف الوطني لحكومة حسين باشا رشدي ساعد على انتشار الحركة واتساعها، فقد كانت حركة الوفد المصري تتم بالتنسيق الكامل بين سعد وزملائه من ناحية ورئيس الوزراء حسين رشدي وعدلي يكن أهم أركان وزاراته من ناحية أخرى، وكان هناك دعم واضح من الحكومة لحركة التوكيلات، كان الجميع يوقن أن هناك هدفًا مشتركًا يتمثل في الوصول إلى استقلال البلاد، وإن التكاتف والتعاون والوحدة سبيلًا وحيدًا لتحقيق هذا الهدف.
 لقد أصدر رئيس الحكومة ووزير الداخلية حسين باشا رشدي تعليمات صريحة إلى مديري الأقاليم بعدم التعرض لحركة التوقيع على توكيل الوفد، ولا شك في أن هذا الموقف دعم الحركة وطمأن الناس ودفعهم للتوقيع على التوكيل بسهولة ويسر.
 وفي نفس الوقت الذي بدأت فيه حركة جمع التوقيعات في النصف الثاني من شهر نوفمبر سنة 1918، وفي 20 نوفمبر 1918 على وجه التحديد، تقدم سعد زغلول بطلب لقيادة الجيش البريطاني في مصر بالتصريح له بالسفر إلى إنجلترا هو وزملاؤه لعرض القضية المصرية، لقد كانت البلاد خاضعة للأحكام العرفية ولا يصرح لمصري بالسفر للخارج إلا بإذن السلطة العسكرية.
 في نفس اليوم 20 نوفمبر سنة 1918 كتب أمين بك الرافعي العضو القيادي البارز في الحزب الوطني والشقيق الأكبر للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي مذكرة عن المسألة المصرية، عرض فيها قضية البلاد بشكل وافي من النواحي السياسية والقانونية، جمع فيها بين خبرة السياسي وحنكة المحامي وبلاغة الكاتب الصحفي، وقد ترجمها إلى الفرنسية وقدمها لمعتمدي الدول الأجنبية في مصر، لإبلاغها إلى الرئيس الأمريكي ويلسن وإلى بقية رؤساء الحكومات المشتركة في مؤتمر الصلح، وفي نفس الوقت نشر أصلها بالعربية بين الساسة المصريين وفي صفوف الشباب المهتمين بالقضية الوطنية، وقد نشر عبد الرحمن الرافعي نص المذكرة في كتابه "ثورة 1919" وشغلت المذكرة 20 صفحة من صفحات الكتاب.
 كان رجال الحزب الوطني في مصر يعملون من جانبهم على الدعاية بشكل مواز ومستقل للقضية المصرية؛ حقًا لقد انضم منتمون للحزب الوطني ومتعاطفون مع خطه للوفد المصري بعد أن قام سعد بزيادة أعضاء الوفد، لكن هذا لم يسن رجال الحزب عن الحركة المستقلة في الدعاية للقضية المصرية بمنطقهم الجذري، ولم تكن مذكرة الرافعي هي الجهد الوحيد للحزب الوطني في الدعاية للقضية المصرية، كان الزعيم محمد فريد يجوب المحافل الدولية ويسعى من خلالها لطرح القضية داعيًا إلى استقلال البلاد استقلالًا تامًا، ولما عقد مؤتمر الصلح في باريس أرسل محمد فريد وزملاؤه من أعضاء اللجنة الإدارية للحزب الوطني الذين كانوا في سويسرا تقريرًا في 5 ديسمبر 1918 إلى الرئيس ويلسن عقب وصوله إلى باريس وأعقبوه بتقريرين آخرين في أواخر ديسمبر 1918 وأوائل يناير 1919، وقد رد سكرتير الرئيس ويلسن على فريد في  21 يناير بخطاب يؤكد فيه تسلم الرئيس للمذكرة الموقعة من فريد وأعضاء اللجنة الإدارية للحزب الوطني في سويسرا، ويعده بأن تلقى المسألة المصرية عناية الرئيس الخاصة، وكان لتحركات فريد ورجال الحزب الوطني في الخارج أصداؤها في الداخل، مثلما كانت لكتابات رجاله ونشاطهم في الداخل أصداؤها أيضًا.
 لقد كانت مصر كلها تتحرك، فماذا كان رد فعل سلطات الاحتلال؟

الدستور 24 ديسمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق