الأربعاء، 2 أغسطس 2017

اغتيال النحاس... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
اغتيال النحاس...
عماد أبو غازي
 لقد تعرض مصطفى النحاس في حياته للعديد من محاولات الاغتيال نجا منها جميعًا رغم خطورتها، ففي خلال السنوات من 1945 إلى 1949 التي أقصي فيها الوفد عن الحكم، شهدت البلاد موجه من الإرهاب الدموي ارتكبت خلالها عدة جرائم اغتيالات وتفجيرات للمحال التجارية ودور العرض السينمائية، وهي جرائم قامت ببعضها جماعة الإخوان المسلمين وببعضها الأخر تنظيمات صغيرة من الشباب الراديكالي الذي ابتعد عن طريق النضال الوطني إلى طريق الإجرام السياسي، وقد افتتحت هذه الجرائم بجريمة اغتيال أحمد باشا ماهر رئيس الوزراء في فبراير سنة 1945.
 كانت أبرز محاولات الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها النحاس باشا ثلاث محاولات، الأولى في 6 ديسمبر 1945 قام بها الشاب حسين توفيق الذي ألقى قنبلة على سيارة النحاس أثناء مروره في شارع قصر العيني في طريقه إلى النادي السعدي، ولم يصب النحاس في الحادث، ولم يعرف الجاني إلا بعدها بأسابيع عندما اعترف حسين توفيق بأنه مرتكب الحادث أثناء التحقيقات في قضية أغتيال أمين عثمان، أما المحاولة الثانية فوقعت في 25 أبريل 1948 عندما انفجرت سيارة ملغومة بجوار قصر النحاس باشا بجاردن سيتي، ويشغله الآن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ولم يصب أحد في الحادث وإن كانت بعض أركان الدار قد تعرضت للتلف، ولم يستدل على الجناة، ثم في نوفمبر من العام نفسه هاجمت سيارة مسلحة النحاس باشا أثناء عودته إلى منزله مساء فقتلت اثنين من حرسه وجرحت ثلاثة أخرين ولم يعرف الجناة أيضًا.


 لقد عبر النحاس سنوات الإرهاب بسلام، تلك السنوات التي راح ضحيتها اثنان من رؤساء الوزارة، ووزير سابق، ومرشد جماعة الإخوان، ووكيل محكمة استئناف مصر، وحكمدار العاصمة، وعديد من المواطنين اللذين تصادف وجودهم في ساحة الأعمال الإرهابية الإجرامية، نجا النحاس بأعجوبة حتى أنهم كانوا يقولون عنه أنه رجل طيب مكشوف عنه الحجاب.


  لكن محاولات إغتيال النحاس لم تقف عند حد الاغتيال المادي الذي لم يصبه بأذى بل إمتدت للاغتيال المعنوي الذي استخدمه خصومه السياسيين كما استخدمته السرايا لمحاولة النيل منه، كانت أول تلك المحاولات القضية المعروفة بقضية الأمير سيف الدين، والتي جرت وقائعها في أواخر عام 1928 وامتدت إلى بداية عام 1929، وترجع أصول هذه القضية إلى عام 1927 عندما تولى مصطفى النحاس وويصا واصف وجعفر فخري كمحامين، وهم جميعًا خارج السلطة، قضية رفع الحجر عن الأمير أحمد سيف الدين أحد أفراد الأسرة المالكة الذي كان على خلاف مع الملك فؤاد، وقد حصل المحامون الثلاثة على توكيل من والدة الأمير للسير في القضية، وبدأت الصحف المعادية للوفد حملة تشهير ضد رئيس الوفد وزميليه متهمة إياهم بالخيانة ومخالفة شرف المهنة، وتم تسريب أوراق الدعوى للصحف، واستغلت حكومة الانقلاب الدستوري الثاني (إنقلاب محمد محمود) الأمر، فحولت الأمر إلى مجلس تأديب بنقابة المحامين في محاولة للنيل من سمعة النحاس ونزاهته، بدعوى أن الأتعاب التي اشترطوها باهظة، وأنهم اشترطوا أيضًا أن مؤخر الأتعاب لا يستحق إلا بعد كسب الدعوى!!! وإنهم قبلوا الدعوى دون التثبت من ظروفها مستغلين نفوذهم السياسي، وحول هذه القضية يقول الخصم السياسي للوفد وللنحاس باشا، المؤرخ عبد الرحمن الرافعي: "عرضت عليّ الحكومة وقتئذ ـ وكنت محاميا بالمنصورة ـ وظيفة رئيس نيابة الاستئناف، وفهمت من ملابسات العرض أنهم يريدون مني أن أتولى المرافعة عن النيابة العمومية في هذه القضية، فاعتذرت إذ كنت أعتقد أن التهمة لا أساس لها من الصحة... وقد أصدر مجلس التأديب حكمه في 7 فبراير سنة 1929 ببراءة النحاس وزميليه، وأثبت في أسباب حكمه تزييف بعض عبارات الترجمة العربية التي نشرت في الصحف لبعض الوثائق المحررة أصلًا بالتركية، وتصيد الشهود ليشهدوا زورًا لمصلحة الاتهام."


 ثم كانت المحاولة الثانية لاغتيال سمعة النحاس باشا من خلال "الكتاب الأسود" الذي أصدره مكرم عبيد باشا، وأحصى فيه ما اعتبره سيئات لحكومة الوفد ولرئيسه مصطفى النحاس، وذلك بعد خروج مكرم عبيد من الوزارة وفصله من الوفد المصري، وقد تسبب صدور الكتاب في اعتقال العمال الذين قاموا بطباعته وتوزيعه واعتقال مكرم باشا نفسه استنادًا إلى الأحكام العرفية التي فرضت مع قيام الحرب العالمية الثانية، ورغم الضجة التي آثارها الكتاب، ورغم الاتهامات التي وردت فيه والتي استخدمت في الهجوم على النحاس لسنوات طويلة، فإن أول انتخابات ديمقراطية أجريت بعد الحرب العالمية أتت بحزب الوفد بزعامة النحاس مرة أخرى إلى الحكم.
 لقد عبر النحاس باشا أكبر محاولتين لاغتياله معنويًا مثلما عبر محاولات اغتياله فعليًا واستمر زعيمًا للأمة، إلا أن القضية الكبرى التي أثير حولها الجدل السياسي بشكل واسع حول مصطفى النحاس ومواقفه السياسية وما زال الجدل مثار حولها إلى يومنا هذا، كانت حادثة 4 فبراير 1942.

الدستور 27 أغسطس 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق