الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

وفد واحد أم ثلاثة؟... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
وفد واحد أم ثلاثة؟
عماد أبو غازي
 تتفق رواية سعد زغلول في مذكراته مع رواية الأمير عمر طوسون، حول طرح الأمير للفكرة في حفل 9 أكتوبر سنة 1918 بسان استفانو بالإسكندرية في حوار جانبي بينهما، ويزيد سعد على ذلك أن الأمير عاد مرة أخرى للنقاش معه في الموضوع بعدها بأيام قليلة، في حفل آخر أقامه السير رجنلد ونجت المندوب السامي البريطاني في مصر تكريمًا للسلطان فؤاد بالإسكندرية يوم 23 أكتوبر، وألتقيا في اليوم التالي في القطار في طريق عودتهما للقاهرة وتحادثا في الموضوع مرة ثالثة، وحسب رواية لسعد زغلول فإنه رحب بالفكرة عندما عرضها عليه الأمير ولكنه قال له إن الفكرة "قامت في بعض الرؤوس من قبل وقد آن الآن أوانها"، الأمر الذي أكد عمر طوسون أنه لا يتذكر أن سعد زغلول قاله له.

الأمير عمر طوسون
 وفي يوم 11 نوفمبر أبلغ سعد زغلول الأمير عمر طوسون بموعده مع المندوب السامي البريطاني يوم 13 نوفمبر بمجرد تحديد الموعد، فقرر الأمير عقد اجتماع بقصره بشبرا يوم 19 نوفمبر 1918 لمناقشة أمر تشكيل الوفد ووجه الدعوات إلا أن الحكومة قررت منع الاجتماع وتم إبلاغ الأمير فأرسل للمدعويين خطابات بتأجيل عقد الاجتماع، ويذكر عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن ثورة 1919 أنه تردد أن الإلغاء كان باتفاق بين السلطان ورشدي باشا وسعد زغلول.
 سعى الأمير عندما شعر باتجاه سعد زغلول وحسين رشدي إلى استبعاده لتكوين وفد موازي، وجمع بعض المقربين إليه وبعض رجال الحزب الوطني، وبدا أن الحركة الوطنية في طريقها للانقسام، لكن الأمير عمر طوسون تلقى رسالة من السلطان على لسان أمين يحيى باشا يدعوه فيها للكف عن التدخل في هذه المسألة.
  ويرى الرافعي أن سعد اعتبر دخول الأمير في الوفد يعني رئاسته بالضرورة له وبالتالي فقد سعى لأن يشكل الوفد بعيدًا عنه، وسواء صحت تفسيرات الرافعي أم لا فإن شعبية الوفد وابتعاده عن أن يشكل تحت رئاسة أحد أمراء الأسرة العلوية الحاكمة حتى لو كان هذا الأمير من أصحاب المواقف الوطنية مثل عمر طوسون قد أعطاه قوةً وتأثيرًا أكبر، وكما سجل الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه المهم "تطور الحركة الوطنية في مصر" فإن سعد وصحبه كانوا يريدونها "حركة شعب لا إمارة وحركة استقلال لا خلافة". ومع ذلك يؤكد سعد زغلول في مذكراته على فضل الأمير عمر طوسون فيقول بالحرف الواحد: "إن الأمير يستحق تمثالًا من الذهب لو نجحت المهمة".
 في نفس الوقت كان حسين رشدي باشا يفكر مع نهاية الحرب في الوسيلة التي يتحقق بها وعد الإنجليز بمنح مصر استقلالها مقابل موقفها أثناء الحرب العالمية الأولى، ولما كان هو الذي تعامل مع سلطات الاحتلال منذ اللحظة الأولى لقيام الحرب وإعلان الأحكام العرفية باعتباره قائم مقام خديوي مصر، كما أنه كان أول رئيس وزراء بعد إعلان السلطنة وكان عليه مسئولية التعامل مع سلطات الحماية البريطانية، ورغم أن قرار الحماية والمراسلات الموجهة لرئيس الوزارة المصري لا تحمل وعدًا صريحًا باستقلال مصر بعد الحرب، إلا أن رشدي باشا ورجال حكومته ومنهم عدلي باشا يكن كانوا على قناعة كاملة بأن استقلال مصر مرتبط بانتهاء الحرب وانتصار بريطانيا وحلفائها، ومن هنا فقد كانت الحكومة المصرية وعلى رأسها حسين رشدي تفكر في سبل المطالبة باستقلال البلاد، وتعد العدة لتشكيل وفد رسمي يتوجه إلى لندن لمناقشة حكومة جلالة الملك في أمر مصر بعد الحرب.

عدلي يكن
 وكانت رؤية رشدي وعدلي أن وجود وفد غير رسمي أو "شعبي" إلى جانب الوفد الرسمي يدعم المطالبة بالاستقلال، وعزز جهود الحكومة التي لا تستند إلى أي مشروعية شعبية، وسعد يملك هذه المشروعية باعتباره الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وبخبرته السياسية الطويلة أفضل من يرأس هذا الوفد، لذلك كان التنسيق كاملًا بين سعد ومجموعته ورئيس مجلس الوزراء حسين باشا رشدي.
 يبقى شخص رابع لم يفكر في إرسال وفد بل قام بنفسه بالفعل ومنذ سنوات ما قبل الحرب برئاسة عدة وفود في محافل دولية مختلفة للمطالبة باستقلال مصر، إنه محمد فريد بك الزعيم المنسي، خليفة مصطفى كامل في رئاسة الحزب الوطني، الرجل الذي اختار المنفى ليواجه من خلاله الاحتلال.

فريد ومجموعة من شباب الحزب الوطني 
 فمنذ عام 1910 يشارك الزعيم محمد فريد في مؤتمرات السلام العالمية ويلقي فيها الخطب ويقدم المذكرات شارحًا القضية المصرية، كان أول مؤتمر للسلام يشارك فيه مؤتمر استوكهلم في أغسطس سنة 1910 وشكل بعده جمعية السلام العام بوادي النيل، ليشارك بعدها في مؤتمر جنيف في سبتمبر سنة 1912 ومؤتمر لاهاي في أغسطس سنة 1913 على رأس وفد مصري ضم محمد عبد الملك حمزة بك ومحمد علي بك المهندس والأستاذ محمد السادة والأستاذ السيد منصور، كما شارك في مؤتمرات الأجناس المضطهدة بلندن في فبراير 1914 ولوزان في يونيو 1916، كما تقدم بمذكرة لمؤتمر الاشتراكية الدولية باستوكهلم سنة 1917، وفي أكتوبر من نفس العام وقبل طرح فكرة الوفد المصري بعام أرسل بمذكرة للدول المتحاربة والمحايدة يطلب فيها الإقرار باستقلال مصر التام وحريتها عند انعقاد مؤتمر الصلح، وتوالت مذكراته ورسائله من المنفى إلى كل محفل دولي يمكن أن يخاطبه، بما في ذلك مؤتمر الصلح نفسه الذي أرسل إليه ثلاثة تقارير في شهر ديسمبر 1918 ويناير 1919 طالب فيها باستقلال وادي النيل وقبول مصر في عصبة الأمم وتمثيلها في مؤتمر الصلح وحماية حرية الملاحة في قناة السويس.
 لقد كانت هناك رؤيتان داخل الحركة الوطنية رؤية الأمير عمر طوسون والحزب الوطني وترى تدويل القضية وعرضها على مؤتمر الصلح، ورؤية سعد زغلول ومجموعته وحسين رشدي وحكومته وترى الاتجاه إلى بريطانيا والحوار معها.
 وقد نجح سعد زغلول في الأيام الأولى للحركة في لم الشمل الوطني من خلال ضم أعضاء جدد للوفد يمثلون الاتجاهات المختلفة في الحركة الوطنية.

الدستور 10 ديسمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق