الخميس، 10 أغسطس 2017

الفلاحون يحررون الأرض... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الفلاحون يحررون الأرض
عماد أبو غازي
 تستمر مسيرة الفلاح المحارب الذي يدافع عن أرضه ووطنه عبر التاريخ المصري القديم، ففي عصر الدولة الوسطى أصبحت حماية حدود البلاد من الموضوعات المتكررة في النصوص المصرية القديمة، فيسجل الملك سونسرت الثالث أحد ملوك الدولة الوسطى نصًا في شكل وصية تحمل الدعوة للدفاع عن الحدود وتأمينها قال فيها:
"أي أمرأ من ولدي يستطيع أن يحمي ما أقمت من حدود لهو ولدى من صلبي، وإنه كمثل صادق لذلك الابن الذي يحمى أباه، ويذود عن حدوده، فأما من قصر عن ذلك ولم يذد عن حدودي، فذلك ليس من ولدي، لأنني لم ألده، وهذا تمثالي أقمته لكم على الحدود، عله أن ينهضكم، فدافعوا عنه.
 إن الأعداء يصدعون لصوت الشجاع، فإذا ما هوجموا خضعوا، وإذا لان لهم الأمر هجموا، وإنهم لقوم ضعفاء لا يقام لهم وزن، ثم هم مساكين، ضعاف قلوبهم..."

سونسرت الثالث
 ومع نهاية عصر الدولة الوسطى نجح الهكسوس في احتلال قسم كبير من البلاد، وبسطوا نفوذهم على بقيتها، بفضل استخدامهم لتقنيات عسكرية لم يكن المصريون قد وصلوا إليها بعد.
ولا نعرف على وجه التحديد الكيفية التي نجح بها الهكسوس في احتلال مصر، هل عن طريق التسلل والاستيطان التدريجي أم عن طريق الغزو المباشر، لكن المصريين عبروا عن هذا الواقع المرير من خلال نص منقوش على لوح حجري يقول:
 "هب الغضب الإلهي علينا ولست أدرى لماذا؟ فعلى حين غفلة بلغت الجرأة بقوم من جنس غير معروف جاءوا من الشرق أن غزوا بلادنا واستولوا عليها عنوة، وهؤلاء الناس قبضوا على الرؤساء وأضرموا النار في المدن بوحشية، وأزالوا المعابد، وعاملوا الأهالي بكل قسوة يذبحون البعض ويسبون النساء والأطفال وأخيرًا عينوا أحدهم ملكا اسمه سالا تيس فأقام في منف وجبى الإتاوات من الأقاليم العليا والسفلى..." 
وفى مواجهة حكم الهكسوس للبلاد أعاد المصريون تنظيم صفوفهم واستوعبوا ما فاتهم من تطور في التسليح، وعاد الفلاحون إلى القتال مرة أخرى، ونجحوا في طرد الغزاة...
حيث قاد سقنن رع وابنيه كاموس وأحمس جيش التحرير في حرب طويلة انتهت بالنصر المظفر، وانطلق الجيش المصري، جيش الفلاحين، إلى الشرق خارج الحدود ليؤمن البلاد فتأمن مصر شر الغزاة...
أحمس
 لقد حكم الهكسوس مصر قرابة مائة وخمسون عامًا، احتاج الأمر قرن من الزمان حتى ينظم المصريون حركتهم تحت قيادة أمراء طيبة ويتحركوا لتحرير البلاد وطرد الهكسوس، بدأت حرب التحرير في عهد سقنن رع الذي بدأ حربًا منظمة لطرد الهكسوس من البلاد، استشهد سقنن رع في ميدان القتال دون أن يكمل حرب التحرير، لكنه أشعل شرارتها، وأكمل المسيرة من بعده ابنه كاموس، ولعبت أميرات أسرة سقنن رع دورًا مهمًا في الحشد المعنوي للقتال.

أحمس نفرتاري زوجة أحمس
 لكن الحلم لم يتحقق إلا على يد الابن الثاني لسقنن رع، أحمس الأول، الذى أكمل جهود تحرير مصر من الهكسوس، وأعاد توحيد البلاد مرة أخرى، ورغم أن أحمس ينتمي إلى ملوك الأسرة السابعة عشرة الذين حكموا جنوب البلاد من طيبة وأشعلوا حرب التحرير ضد الهكسوس، إلا أن إنجازه للتحرير الكامل لمصر جعل منه مؤسسًا لأسرة جديدة بل ولعصر جديد فى التاريخ المصرى.

أحمس في المعركة
 لقد أثبتت تجربة الحرب التي خاضاها المصريون لتحرير بلادهم من الهكسوس عدة أمور، أولاها: أن المصري مهما صبر على من يغتصب أرضه وحقه لابد له من لحظة يقظة يهب فيها ليسترد حقه، وثانيها: قدرة المصري على استيعاب التقنيات الجديدة وتطويرها والاستفادة منها، فقد ساد الهكسوس لأنهم كانوا يستخدمون الخيول والعجلات، ولم يكن المصري يعرفها حتى ذلك الحين، لكن الفلاح المصري سرعان ما استوعب هذه التقنية الجديدة عليه واستخدمها وطورها لبناء إمبراطورية كبيرة، أما ثالثها: فما أدركه المصريون من ذلك الوقت المبكر عن ما نسميه بلغة اليوم أمنهم القومي، من أن أمن مصر خارج حدودها، لقد أدرك المصريون بعد التجربة المريرة من إحتلال الهكسوس لأجزاء كبيرة من البلاد، وسيطرتهم السياسية على الأجزاء الباقية، أن أمن مصر واستقرارها يقتضى تعقب الغزاة وراء الحدود، فتتتبع أحمس الهكسوس فى فلسطين وسوريا وأستأصل حصونهم واستحكاماتهم التى بنوها فى فلسطين وأزالها من الوجود... كذلك اتجه أحمس وابنه أمنحتب الأول إلى تأمين الحدود الجنوبية للبلاد، وبناء القلاع والحصون فى النوبة التى ثبت لحكام مصر أنها خط الدفاع الأخير عن البلاد عندما يأتى الغزاه من الشمال والشرق.
وفى أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد أنتقل حكم مصر إلى بيت جديد ينتمي إلى الأسرة الثامنة عشرة، وقد نجح تحتمس الأول مؤسس البيت الجديد، وأبناؤه وأحفاده فى تأسيس أكبر إمبراطورية مصرية عرفها التاريخ.

الدستور 8 أكتوبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق