الأحد، 20 أغسطس 2017

ميلاد الوفد المصري... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
ميلاد الوفد المصري
عماد أبو غازي
 مع مغيب شمس يوم 13 نوفمبر 1918 كانت مصر جديدة قد ولدت، لذلك استحق اليوم أن تحتفل به مصر كلها باعتباره يومًا للجهاد الوطني، يوم توجه نواب الأمة، سعد ورفيقيه، لدار المندوب السامي البريطاني مطالبين باستقلال البلاد، يوم سعت الحكومة برئاسة حسين باشا رشدي من أجل تشكيل وفد رسمي يتجه إلى لندن للبحث في إجراءات الاستقلال، كانت الأمة كلها "على قلب رجل واحد" كما يقولون، كان التنسيق تامًا بين سعد ورفاقه من ناحية ورئيس الوزراء رشدي باشا ووزير المعارف في حكومته عدلي باشا يكن من ناحية أخرى، كان كل طرف يبلغ الطرف الآخر بما يقوم به أولًا بأول، كان اليوم ميلاد لعهد جديد في تاريخنا الوطني.


 مساء 13 نوفمبر 1918 أخذ سعد وزميليه عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي يتشاورون في الطريقة التي يعلنون بها حقهم في التحدث باسم الأمة، فاتفقوا على تأليف هيئة تسمى الوفد المصري، إشارة إلى أنها وفد مصر للمطالبة باستقلالها، كما اتفقوا على أن يعملوا على أن تحصل هذه الهيئة على توكيلات من الأمة تمنحها بمقتضاها هذه الصفة.
استغرق تأسيس هيئة الوفد المصري عشرة أيام بين 13 و23 نوفمبر سنة 1918، وتألف الوفد في تشكيله الأول يوم 13 نوفمبر برئاسة سعد زغلول باشا وعضوية علي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي بك ومحمد محمود باشا وأحمد لطفي السيد بك وعبد اللطيف المكباتي ومحمد علي علوبة بك، وكانوا جميعا أعضاء في الجمعية التشريعية باستثناء محمد محمود وأحمد لطفي السيد، كما كان أغلبهم من الميالين لتيار حزب الأمة باستثناء محمد علي علوبة عضو اللجنة الإدارية للحزب الوطني وعبد اللطيف المكباتي المؤيد لتيار الحزب الوطني، واتفق أعضاء الوفد على قانونه الذي تضمنت مادته الأولى أسماء أعضاء الوفد، ونصت مادته الثانية على أن مهمة الوفد هي السعي بالطرق السلمية المشروعة، حيثما وجد للسعي سبيلًا، في استقلال مصر استقلالًا تامًا، وقررت المادة الثالثة من القانون أن الوفد يستمد قوته من رغبة أهالي مصر التي يعبرون عنها رأسًا أو بواسطة من يمثلونهم بالهيئات النيابية، كما أشار القانون في مادته الثامنة أن للوفد أن يضم إليه أعضاء آخرون، الأمر الذي حدث بالفعل خلال الأيام والأسابيع التالية، وقد صدق الأعضاء على قانون الوفد في 23 نوفمبر سنة 1918.
 لم يكن الوفد المصري بهذه الصورة التي بدأ بها حزبًا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل جماعة من الساسة تنوب عن الأمة وتمثلها في المطالبة باستقلالها، فقد عرفت مصر الأحزاب السياسية بشكل جنيني في سبعينيات القرن التاسع عشر، ثم عرفت التشكليات الحزبية المكتملة في العقد الأول من القرن العشرين بتأسيس حزب الأمة والحزب الوطني، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الصغيرة الأخرى، ولم يكن الوفد عندما قام حزبًا على شاكلة هذه الأحزاب، كان تجمعًا من الساسة حول هدف واحد محدد وبرنامج من نقطة واحدة هي السعي من أجل استقلال مصر استقلالًا تامًا.
  عنما تأسس الوفد كان الحزب الوطني لا يزال قائمًا رغم ملاحقة سلطات الاحتلال لقادته أثناء الحرب، وكان رجال حزب الأمة قد تحولوا إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والثقافية بعد إغلاق جريدة الحزب سنة 1915، وتحول بعض شبابهم إلى الكتابة في مجلة السفور، وعقب الحرب وتأسيس الوفد شكل مجموعة من هؤلاء الشباب الحزب الديمقراطي المصري، وحاولوا الانضمام للوفد، لكن مسعاهم لم يكلل بالنجاح فلم يكونوا قد أعلنوا عن حزبهم بشكل رسمي بعد، ولم يقبلهم سعد في الوفد رغم قربهم من تيار حزب الأمة سياسيًا وفكريًا، وانتمائهم بدرجة أو أخرى إلى مدرسته.
 ولتأليف الوفد المصري قصة تثير الخلاف بين الساسة والمؤرخين حول صاحب فكرته، لقد تعرض كثير من الساسة والمؤرخين لقضية صاحب فكرة تأليف الوفد في كتاباتهم، منهم أحمد شفيق باشا وإسماعيل باشا صدقي ومحمود غنام ومحمد أبو الفتح وعبد الرحمن الرافعي، وتناولها بالدراسة والتحليل المؤرخ الراحل الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه الرائد "تطور الحركة الوطنية في مصر"، وحاول أن يميز بين المطالبة باسترداد مصر لحقوقها وفكرة تأليف الوفد كآداة لاسترداد الحق، فقد كان السعي لنيل مصر لاستقلالها مطلبًا عامًا لرجال السياسة في مصر، بل حلمًا لمجمل المصريين، وكان التفكير في وسيلة لتحقيق هذا الهدف شغلًا شاغلًا لكثير من الساسة المصريين.
 ويلح السؤال، هل كان صاحب فكرة تشكيل الوفد هو سعد باشا الذي تزعم الوفد يوم تأسيسه؟ أم أن الوفد كان فكرة شخص آخر؟ وهنا يظهر اسم الأمير عمر طوسون أحد إمراء أسرة محمد علي الذين عرفوا بمواقفهم الوطنية، كما يتردد اسم حسين باشا رشدي رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
 فمن منهم كان صاحب الفكرة؟

الدستور 26 نوفمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق