الجمعة، 24 مارس 2017

من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الأزهر وحرية الفكر
عماد أبو غازي

   نشرت الأهرام في عدد الجمعة قبل الماضي 21 أكتوبر 2005 خبرًا في صفحتها الثامنة بعنوان: "الأزهر يرفض 15 ألف كتاب واردة من أمريكا"، وفي صدر الخبر بشرى بأن الأزهر "رفض هذه الكتب الواردة من الولايات المتحدة للتدريس بالجامعة الأمريكية لوجود بعض المغالطات بما لا يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وتم حجزها بالجمارك، ولم يسمح بدخولها إلى مصر".
 والخبر الذي قدمه الأهرام باعتباره مدعاة للفخر، يكشف عن جانب من جوانب مأساة الوصاية التي نعيش في ظلها، والتي تفرضها على عقولنا المؤسسة الدينية ومفتشيها، إنها فضيحة جديدة من فضائح مصادرة حرية الفكر والحق في المعرفة في هذا البلد الذي كتب عليه أن يعيش تحت رحمة فكر العصور الوسطى الكهنوتي في وقت ينطلق العالم فيه بقوة ورسوخ إلى آفاق مجتمع المعرفة.
 نريد أن نعرف بأي حق وتحت أي سند قانوني يتدخل الأزهر في كتب تدرس للطلاب في الجامعة أو تقتنيها مكتباتها، ومن ذا الذي أحال كتب واردة من الخارج لسلطة الرقابة الدينية، منذ سنوات قليلة صدر قرار وزير العدل بمنح الضبطية القضائية لمجموعة من مشايخ الأزهر، يومها ثارت ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية، لكن وزير العدل حينذاك طمئن الناس بأن الأمر يتعلق بمراقبة طباعة المصحف الشريف، وهذا أمر معقول ومقبول، لكن ما يحدث يتجاوز القانون والدستور، فمن الذي أعطاهم حق الوصاية على عقول البشر ليحددوا لنا ما نقرأ وما لا نقرأ، وما الذي ندرسه وما الذي ينبغي ألا ندرسه.
 إن القضية ليست في مصادرة كتاب أو أكثر لكنها أبعد من ذلك بكثير، إنها قضية منطق وأسلوب يحكم حياتنا، فإلى متى تستمر الرقابة على المطبوعات الأجنبية، تلك الرقابة التي ورثنها عن الاحتلال ثم عن الحكم الشمولي، إنه منطق متخلف ينتمي إلى عصور تكاد تكون انتهت في العالم من حولنا، ولا يليق ببلد عريق مثل مصر أن يكون في ذيل قائمة الدول التي تقتحم مجتمع المعرفة، كما لا يليق بنا ولا نملك رفاهية أن نترك للقوى المحافظة أن تتحكم في مستقبلنا وتعيق انتقالنا إلى مستقبل جديد.
وإذا كان الخبر الذي نشره الأهرام لم يدلنا على عناوين الكتب المصادرة أو عن السبب في مصادرتها على وجه الدقة، ففي يوم الثلاثاء الماضي 25 أكتوبر عرفنا من خبر في صدر الصفحة الأولى من جريدة "المصري اليوم" المزيد من التفاصيل حول الموضوع كشفت سر المصادرة، كما عرفنا من الخبر أن ما تمت مصادرته ألف نسخة فقط من كتاب واحد وليس خمسة عشر ألف كتاب! حيث كشف مسئول بمشيخة الأزهر أن الكتاب المصادر كتاب عن الحركة الوهابية، بعنوان: "الإسلام الوهابي من الثورة والإصلاح إلى الجهاد العالمي"، من تأليف ناتانا ديلونج الأستاذة بجامعة جورج تاون الأمريكية، ويذهب الكتاب ـ عن حق ـ إلى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي خلق بمذهبه البيئة الفكرية الصالحة لنشر الإرهاب، ويبدو أن هذا ما دفع الأزهر إلى مصادرة الكتاب، فالمبرر الذي قدمه فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي لرفض دخول الكتاب مصر وفقا للخبر الذي نشرته "المصري اليوم"، يرجع إلى إساءة الكتاب للإسلام وللمذهب الوهابي في شبه الجزيرة العربية وللعائلة المالكة بالمملكة العربية السعودية.
 ومن حقنا أن نتساءل هل أصبح رفض المذهب الوهابي وانتقاده جريمة أو أمرا محرما! وهل تحول الأزهر إلى مؤسسة وهابية تدافع عن الفكر المتطرف الذي أسس للإرهاب المعاصر! وهل عندما يصدر كتاب يفضح حقيقة المذهب الوهابي المسئول الأول عن كثير من الكوارث التي نعيشها اليوم، ليحمي الشباب من الانزلاق في مستنقعه، نصادره أم الأولى بنا أن نترجمه إلى العربية ونؤلف فوقه عشرات الكتب التي تفضح أسس التطرف الديني والتعصب والتخلف الفكري، لقد لعبت مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر دورا تاريخيا في مواجهة الدعوة الوهابية والتصدي لها وهزيمتها في مرحلتها الأولى، لكن يبدو أن الحال انقلب الآن لنجد المؤسسة الدينية الرسمية في مصر التي عرف عنها تاريخيا الاعتدال والوسطية تدافع عن التطرف الفكري الذي مهد الطريق وهيأ البيئة الملائمة لظهور الحركات الإرهابية.
 ومهما كان ما يحويه الكتاب من آراء فليس من حق أحد أن يفرض وصايته علينا، وإذا كان هناك من يرى في الكتاب أفكارا غير صحيحة فليرد عليها ويدحضها، أما منطق المصادرة فمنطق العاجز الضعيف الذي لا يملك ما يرد به.
 إن قرار المصادرة أو المنع مضحك بقدر ما هو مبكي ففي مجتمع المعرفة وفي ظل ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة تستحيل مصادرة أي فكر أو إبداع، يا سادة صادروا كما تشاءوا، سنقرأ رغما عنكم وسنصل إلى مصادر المعرفة رغم قيودكم البالية.

الدستور 2 نوفمبر 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق