الأحد، 26 مارس 2017

محمد علي رجلا لا تنساه مصر/ من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
محمد علي رجلا لا تنساه مصر
عماد أبو غازي


 يوشك عام محمد علي في مصر على الانتهاء، العام الذي يصادف مرور مائتي عام على تولي محمد علي الكبير حكم مصر، ففي شهر مايو من سنة 1805 أعتلى ذلك القائد الألباني الفذ محمد علي باشاوية مصر في أعقاب ثورة شعبية فرضت على السلطان العثماني عزل نائبه خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه، في حدث فريد من نوعه في التاريخ المصري المعروف لنا نجح فيه المصريون لأول مرة في اختيار حاكمهم.
 وجاء تولي محمد علي للحكم ليفصل بين مرحلتين في التاريخ المصري، فبتوليه انتهت تبعية مصر للدولة العثمانية فعليا، وإن ظلت تابعه لها من الناحية الرسمية شكليا، وبدأت بذلك مرحلة جديدة في حياة مصر شهدت تحولات شكلت مسار التاريخ المصري الحديث بل ربما مسار تاريخ المنطقة العربية كلها.
 وقد شهد العام الحالي أشكالا متعددة من الاحتفاء العلمي والفني والثقافي بهذه المناسبة، أخذ أشكالا عدة ما بين كتب جديدة تصدر وأخرى قديمة يعاد إصدارها، وندوات علمية تناقش عصر محمد علي بجوانبه المختلفة يشارك فيها عشرات من الباحثين من مختلف أنحاء العالم، ومعارض فنية وعرض مسرحي وفيلم تسجيلي يجري إعداده، وقبل هذا كله إعادة قصر محمد علي بشبرا إلى الحياة.
 هذا ويختلف المؤرخون في تقييم عصر محمد علي وفي دوره في تاريخ مصر، كما يختلفون حول البداية الحقيقية للتحديث في تاريخنا، لكنهم يتفقون حول أهمية العصر وأهمية دراسته، وبغض النظر عن تقيمنا اليوم لمشروع محمد علي ولفترة حكمه التي جاوزت الأربعين عاما، فمما لا شك فيه أنها كانت فترة مهمة، أسفرت عن تكوين أسرة حاكمة جديدة وعن مشروع للتحديث، ولكنه تحديث منقوص، لأن الحاكم انقض على الحركة الشعبية الصاعدة التي أتت به مجهضا إياها، كما أسفرت تلك الفترة عن عودة مصر مع محمد علي باشا لتلعب دورا أساسيا في الصراعات الدولية، ولتتقدم جيوشها فتطرق أبواب أوروبا، فتنبه الدول الكبرى إلى خطورة قيام كيان قوي في المنطقة، فأطاحت القوى الأوروبية المتحالفة بمشروع الباشا الطموح الذي لم يجد سندا شعبيا يدافع عنه لأنه كان قد أجهض حركة الشعب.
 وإذا كانت المعارض التي شاركت بها سفارة اليونان وسفارة كوسوفا في الاحتفال والتي انتقلت بين القاهرة والإسكندرية قد أضفت طابعا فنيا جميلا على الاحتفال، فإن الندوات التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة والمكتبة بالإسكندرية كانت فرصة للتدارس والحوار حول فترة حكم محمد علي، التي تعد فترة مفصلية في تاريخ مصر وفي علاقتها بمحيطها العربي وبالعالم، في محاولة جادة لفهم واستيعاب فترة مهمة من فترات تاريخ عالمنا العربي، تلك الفترة التي تحتاج إلى الكثير والكثير من الدراسة والتقويم خاصة في المرحلة الدقيقة التي يعيشها عالمنا الآن والتي تحفل بالجدل الثقافي والسياسي عن الماضي والحاضر والمستقبل، عن الأنا والآخر، عن العدالة والديمقراطية، عن التجديد والإصلاح، عن مصر والعالم، وهو جدل يختص مباشرة بالحاضر فيستدعي الماضي، استهدافا للمستقبل، الأمر الذي نجحت فيه باقتدار أيضا مسرحية رجل القلعة للكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني التي أعاد المسرح القومي إنتاجها من إخراج ناصر عبد المنعم وبطولة توفيق عبد الحميد الذي جسد محمد علي ببراعة متوقعة منه، لقد طرحت المسرحية بأسلوب فني راقي الجدل التاريخي حول محمد علي، شخصيته وعصره.
 لكن اللافت للنظر في الاحتفالية كلها ذلك الحضور الجماهيري الكبير في القاهرة والإسكندرية، لقد كان المسرح الصغير بدار الأوبرا ممتلئ عن أخره في حفل الافتتاح الرسمي والوقف في الممرات ومن لم يتمكنوا من الدخول أكثر من الجلوس، نفس الاحتشاد شاهدته بعدها بأيام في قاعة المؤتمرات الرئيسة بمكتبة الإسكندرية في افتتاح ندوة "محمد علي والعالم"، وفي قاعة الغد بمسرح البالون حيث تعرض مسرحية "رجل القلعة"، لقد شاهدت العرض مرتين إلى الآن كانت قاعة المسرح كاملة العدد.
 كذلك الإقبال الشديد على كل ما يصدر من كتب عن محمد علي، لقد أصدر المشروع القومي للترجمة في مناسبة عام محمد علي أربعة كتب مترجمة اثنان عن الفرنسية واثنان عن الإنجليزية والكتاب الخامس في الطريق عن الإيطالية، نفد كتابان من الأربعة حيث صدرا في نهاية 2004 وبداية 2005 مع بدء الاحتفال، وأوشك الكتابان اللذان صدرا من عشرة أيام على النفاد!
زميلنا سيد المشرف على بوفيه الدور الأول بمبنى المجلس الأعلى للثقافة لأول مرة يعلق نسخة من بوستر ندوة من ندوات المجلس على باب البوفيه، كان بوستر ندوة عصر محمد علي الذي صممه الفنان محمد بغدادي ويحمل صورة كبيرة لمحمد علي وتحتها صور جماعية لطلاب البعثة المصرية.
 ما سر هذا الإقبال الجماهيري على كل ما يتعلق بمحمد علي وعصره، هل الأمر مجرد نوع من حنين إلى ماض؟ أم رد اعتبار إلى الرجل الذي ظلم وشوهت صورته في كتب التاريخ الرسمية بعد حركة الجيش؟ أم رغبة في التعرف على حقيقة قد يطرحها باحث هنا أو باحث هناك؟
الدستور 30 نوفمبر 2005


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق