الخميس، 16 مارس 2017

  مخربشات
شايفنكو وكفاية
عماد أبو غازي

 لأول مرة في تاريخ مصر ينتخب المصريون رئيس الجمهورية، ورحلة مصر مع الانتخابات طويلة لم تبدأ بتعديل الدستور هذا العام، فقد عرفت مصر النظم الانتخابية منذ أكثر من قرنين من الزمان، فمع الحملة الفرنسية على مصر (1798 ـ 1801) تعرفت النخبة في مصر على فكرة انتخاب ممثلين للمشاركة في إدارة أمور البلاد للمرة الأولى، فقد شكل بوناپرت ديوان لمساعدة سلطات الاحتلال في تسيير الأمور، وكان للمصريين ممثليهم المنتخبين في هذا الديوان، وكان الأمر جديدا على العقلية السائدة في المجتمع وقتها، لكن التجربة وقعت، ولم تمنع مشاركة ممثلي مشايخ الأزهر والتجار والحرفيين والطوائف الدينية المختلفة في ديوان الحملة المصريين من مقاومة الحملة والثورة عليها مرة وراء مرة، وبعد خروج الحملة بأربع سنوات كان المصريون يختارون حاكمهم بأنفسهم لأول مرة ويفرضون على السلطان العثماني تنصيب محمد علي باشا حاكما لولاية مصر العثمانية، في عصره خرجت البعثات الأولى إلى أوروبا، وعاد رفاعة ليبشر بالنظم السياسية الحديثة وبالمجالس النيابية والانتخابات، وفي عصر الخديوي إسماعيل بدأ النظام البرلماني الحديث في مصر، وتأسست الأحزاب السياسية وتوالت المجالس النيابية المنتخبة في الحياة السياسية المصرية، وبعد ثورة 1919 العظيمة صدر دستور 1923 الذي مكن المصريون من اختيار الحكومة التي تحكمهم عبر الانتخابات البرلمانية، حقا كان القصر الملكي يحل البرلمان أحيانا ويعطل الدستور أحيانا أخرى ويتواطأ لتزوير الانتخابات في مرات عديدة، لكن مع ذلك كان الشعب في النهاية ـ رغم انتشار الأمية وحداثة التجربة ـ ينجح في فرض إرادته واختيار ممثليه وحكامه، وجاءت حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952 لتقطع الطريق على التطور الديمقراطي الطبيعي في مصر، لقد ألغت الملكية حقا لكنها استبدلت بها نظام استبدادي أمم الحياة السياسية مثلما أمم الاقتصاد، واستورد لنا نظام الاستفتاء من أكثر النظم استبدادية في العالم، وأعاد المجالس النيابية المنتخبة لكنه ضع القيود على الترشيح وتفنن في أساليب التزوير والتلاعب في الانتخابات ليستبعد خصومه ومعارضيه.
 واليوم وبعد أكثر من خمسين سنة على إلغاء الملكية يتحقق مطلب التيارات الديمقراطية في مصر بانتخاب رأس الدولة رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح، انتخابا مباشرا، وإذا كانت معظم الأحزاب والتيارات السياسية تتحفظ على التعديلات التي أدخلت على المادة 76 من الدستور وترى بها جوانب قصور وتعتبر أنها لا تلبي كل الطموحات في حياة ديمقراطية سليمة طال انتظارها طال اغتيالها، إلا أن ما حدث مع كل هذه التحفظات خطوة مهمة إلى الأمام على طريق تغيير الحياة المصرية تغييرا ديمقراطيا، ولن يتحقق التغيير المنشود دون أوسع مشاركة شعبية، ومن هنا فإن المقاطعة التي دعت إليها حركة كفاية وحزب التجمع، مقاطعة الاستفتاء ومن بعده مقاطعة انتخابات الرئاسة نتيجتها الأساسية مزيد من السلبية لشعب يعاني من السلبية منذ استولى الضباط الأحرار على الحكم، فمقاطعة الانتخابات موقف سلبي إذا كنا نؤمن بأن التغيير الوحيد المقبول هو التغيير الذي يأتي من خلال صندوق الانتخاب، إن من يريد التغيير عليه أن يدعو المواطنين أولا إلى ممارسة حقهم الانتخابي في الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وانتخابات المحليات والنقابات مهما كانت التحفظات على الشروط التي تجري فيها تلك الانتخابات، فأول خطوة في طريق التغيير هي دعوة الناخبين للحضور والتصويت التصويت لأي مرشح أو حتى إبطال الصوت لا الدعوة إلى المقاطعة، التي لو تحققت فلن تكون إلا نتاج لسلبية المواطنين وليس لدعوة المقاطعين، إن قوة تيار مثل الإخوان المسلمين تكمن في التزام أعضائه بالتصويت في الانتخابات لقد اكتسحوا النقابات المهنية ونوادي هيئات التدريس منذ منتصف الثمانينيات بسبب انخفاض نسبة الحضور في الانتخابات والتزام أنصارهم بالمشاركة، فهم دائما يشكلون ثلثي الحاضرين الذين لا يتجاوزون عادة 50% من أعضاء تلك النقابات والنوادي يلتزمون بالحضور ولا يلتزم الآخرون، وجاء موقفهم في الانتخابات الأخيرة أكثر منطقية من موقف المقاطعين لم دعوا أنصارهم للتصويت والمشاركة دون أن يعلنوا اسم المرشح الذي يؤيدونه، فسعى الجميع خلفهم، وأضافوا لرصيدهم نقطة جديدة. 
 دعوة متأخرة لدعاة المقاطعة في التجمع وكفاية ـ مع كل التقدير لدورهم وتاريخهم ومبادراتهم ـ فكروا تاني، ودعوة لكل حامل بطاقة انتخابية شارك وصوت لمن تريد أو حتى أبطل صوتك، لكن المشاركة بناء والمقاطعة سلبية، خليكم زي "شايفنكم" مش زي "كفاية".
الدستور 7 سبتمبر 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق