الجمعة، 17 مارس 2017

إصلاح التعليم الجامعي

مخربشات
 إصلاح التعليم الجامعي
عماد أبو غازي
 تلقيت مؤخرًا رسالة على بريدي الإلكتروني من مجموعة "9 مارس" التي تضم نخبة من خيرة أساتذة الجامعات الذين يسعون إلى إصلاح الجامعات المصرية والنهوض بها من كبوتها التي ألقتها خارج قائمة الجامعات الخمسمائة الأفضل في العالم ـ وبالمناسبة 9 مارس هو اليوم الذي استقال فيه أحمد لطفي السيد من رئاسة الجامعة سنة 1932 احتجاج على نقل طه حسين من الجامعة وحفاظًا لاستقلال الجامعة ـ من الغريب أن الجامعة المصرية التي هي من أقدم جامعات العالم الثالث، والتي كانت في يوم من الأيام تعد من الجامعات المهمة التي تحظى بمكانة واحترام دوليين باتت في الترتيب العالمي للجامعات تحتل مرتبة متأخرة، تسبقها أكثر من خمسمائة جامعة، الرسالة التي تلقيتها كانت تحمل مشروعًا لبيان يحمل عنوان "من أجل قانون يحقق الاستقلالية وديمقراطية الإدارة في الجامعات المصرية"، يعقب مصدرو البيان على تصريحات للأستاذ الدكتور عمرو سلامة وزير التعليم العالي أدلى بها الأسبوع الماضي، حول الانتهاء من إعداد مشروع قانون جديد للجامعات، ويقول مشروع البيان:
 "طالع الموقعون على هذا البيان تصريحات السيد وزير التعليم العالي عقب لقائه مع رئيس الوزراء يوم الأربعاء 14 سبتمبر الماضي حول إعداد مشروع جديد لقانون الجامعات وعرضه على رئيس مجلس الوزراء، ويخشون أن تتم صياغة القانون الجديد كما تم من قبل إلغاء انتخاب العمداء وإقرار نظام الفصلين الدراسيين بأسلوب فوقي لا يضع اعتبارًا لرأي أعضاء هيئة التدريس، لذلك يرون أن على المسئولين أن يعرضوا الأفكار الأساسية لهذا المشروع على مجالس الأقسام بجميع الجامعات قبل البدء في صياغة المشروع، ليأتي القانون الجديد معبرًا عن تطلعات أعضاء هيئة التدريس في تطوير الجامعات وإقرار نظام ديمقراطي لإدارة الجامعات وضمان الاستقلال الحقيقي لها، كما يؤكد الموقعون أن أي تعديل لقانون الجامعات لابد أن يرسي مبدأ انتخاب القيادات الجامعية، وتوسيع سلطة المجالس، وتوكيد الشفافية في جميع الجوانب المالية والإدارية بالجامعات."
 إن إصدار قانونًا جديدًا لتنظيم الجامعات المصرية أصبح الآن ضرورة ملحة؛ فالقانون الحالي عمره أكثر من ثلاثين عامًا تغير فيها العالم تغيرًا جوهريًا، خاصة فيما يتعلق بالعلم والمعرفة، ولم يعد من الممكن أن تدار الجامعات المصرية بقانون ينتمي إلى عصر انتهى تمامًا، لقد كان قانون تنظيم الجامعات المصرية الصادر سنة 1972 يحمل الكثير من العناصر الإيجابية بمعايير عصره، والغريب أن الجامعات المصرية كانت تعيش في ظل تغيرات دورية لتشريعات الجامعات، فمنذ ظهور أول جامعة حكومية في منتصف عشرينيات القرن الماضي لم يستمر قانون لتنظيم الجامعات كل هذه المدة التي استمرها القانون الحالي، فلو نظرنا إلى ما حدث في الخمسين سنة الماضية فسوف نجد أنه في عشرين سنة من 1954 إلى 1974 تغيرت اللوائح الجامعية ست مرات، أي بمعدل مرة كل ثلاث سنوات وثلث، وهو أمر لا يترك مجالًا لاختبار مدى ملائمة اللوائح الجامعية وموافقتها للمتطلبات الأكاديمية والمجتمعية، ومن الواضح أن التعديلات المتعاقبة في التشريعات الجامعية لم تكن تأت نتيجة لدراسة متأنية لأوضاع الجامعة بل كانت رد فعل للتحولات السياسية العامة التي تتعلق بالنظام في تلك المرحلة، فقد تواكب صدور قانون تنظيم الجامعات سنة 1954 مع الانقلاب على الديمقراطية وإقرار أسس الدولة الشمولية، وجاء قانون 1956 في أعقاب الاستفتاء الأول على رئاسة جمال عبد الناصر وبداية مرحلة جديدة في تاريخ النظام السياسي، وفي 1958 كانت الوحدة المصرية السورية مناسبة لتعديل قانون الجامعات ولوائح الكليات، ثم كان التفكير في التعديل الرابع في أعقاب الانفصال والقرارات "الاشتراكية"، وفي عام 1968 وكرد فعل مباشر للمظاهرات الطلابية في الجامعات المصرية تغيرت اللوائح الداخلية لبعض الكليات الجامعية في العام الدراسي 1968 / 1969، وبدء الإعداد لإصدار قانون جديد للجامعات المصرية، صدر بالفعل في عام 1972، وبناء عليه عدلت لوائح الكليات مرة أخرى بعدها بثلاثة أعوام، بينما تجمد قانون الجامعات بعدها لأكثر من ثلاثين عامًا في فترة سمتها الأساسية هي التغير السريع!
 وإذا كان تعديل قانون الجامعات ضروريًا فإن بيان مجموعة 9 مارس يلمس نقطة جوهرية في موضوع تطوير التشريعات المنظمة لعمل الجامعات المصرية، أعني ضرورة مشاركة المعنيين بالأمر في صياغة القانون كي يأتي موافقًا لطموحات أعضاء هيئات التدريس والطلاب معًا، ومن هنا فإن مطالبة البيان بعرض الأفكار الرئيسية لتطوير الجامعات على مجالس الأقسام قبل صياغة مشروع القانون مطالبة في محلها، وأعتقد أنه من الأوفق دعوة الطلاب للمساهمة في مناقشة تلك التصورات باعتبارهم المخرج النهائي للعملية التعليمية، ويمكن أن يسهم الطلاب بأرائهم من خلال المجالس العلمية للأقسام والكليات التي يمثل فيه الطلاب، كما ينبغي أن تشارك الاتحادات الطلابية المنتخبة في صياغة اللائحة الجديدة المنظمة لعمل تلك الاتحادات، فهذا هو السبيل لبناء جامعات مستقلة ديمقراطية تبني مستقبل مصر.
الدستور 28 سبتمبر 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق