الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

رد على رد... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
رد على رد
عماد أبو غازي
 تلقيت رسالة من الدكتور خالد القعيد بقسم التاريخ بجامعة الأزهر يناقش فيها رسالة الأستاذة ديدي الهنداوي وردي عليها، وهي الرسالة الثانية التي أتلقها منه، وكان في الرسالة الأولى قد فند الإدعاء بأن النقاب فريضة إسلامية.
 يقول الكتور خالد في رسالته:
 "تابعت ـ كعادتي ـ مشكلة النقاب! وأحسب أن الأستاذة ديدي الهنداوي قد أدانت نفسها برغم هدؤ أسلوبها الراشد المهذب.
 والاستدلال برأي المنفلوطي أو طلعت حرب في رده على قاسم أمين ليس دليلا شرعيا على أصولية النقاب أو على شرعيته، لكن كان دليلا على رؤية اجتماعية.
 وأعجبني ردكم على ذلك بأن النقاب لبس الطبقة الأرستقراطية في تركيا وفارس، ولكن أتصور أن النقاب أيضا عادة بدوية، وأتذكر وأنا في العريش في زيارة لجامعة قناة السويس، كانت سيدة عريشية تبيع بعض المناديل ونحوها في الأرض وقد غطت وجهها وأخرجت صدرها لترضع وليدها!!
 ولأن السعوديين من أصول بدوية وصلتهم بالحضر تأخرت فإنهم يرجعون بالنقاب لأصول دينية! وهي عادتهم الأولى...
 لكن أحب لفت نظركم لأمر استوقفني، في كتاب وصف مصر، أتصور في الجزء الأول أو الثاني على ما أذكر وصف لأحوال القبط في مصر إبان فترة الحملة الفرنسية، وفيه يقول المؤلف عن القساوسة والرهبان: إن القبط يبجلونهم ويحترمونهم، وله الحق في مجالسة جميع أفراد الأسرة رجالا ونساء وسماع الاعترافات من كل واحد منهم منفردا... ويستطرد الكاتب ليصف المرأة القبطية في جلسة كاهن الاعترافات وهي تحرص على غطاء الوجه!!
 فلعل هذا هو الزي الرسمي أو الاجتماعي... الأمر يستلزم بحثا أو بٌحيثا صغيرا من الوجهة التاريخية.
 لكن الذي يشغلني ضعف أدلته الشرعية...."
 وهنا أنتقل إلى الرسالة الأولى التي وصلتني قبل أسبوع من الدكتور خالد القعيد والتي يقدم فيها أدلته، واقتبس منها بعض ما يقول:
 "الحقيقة إن موضوع النقاب هذا من أكثر الأمور التي تشغلني، وتثير حفيظتي لأني قريب منه وأكاد أموت غيظا منه...
 أولا: لقد عملت مديرا لمكتب الأستاذ محمد الغزالي رحمة الله، وكان أكثر ما يثار من أسئلة تأتي من هنا أو هناك أسئلة النقاب...... ولقد كتب الأستاذ الغزالي كتابه الأشهر "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" بين فيه حكم النقاب وأقام أكثر من عشرة أدلة على عدم وجوده.
 ...............
 وأنا أحاضر في إسلام أباد في باكستان، وجدت الفتيات المسلمات منتشر بينهن النقاب بصورة لافتة، بل إن قاعة المحاضرات ـ 60 طالبة ـ كلهن ترتدين النقاب! وعندما زلف لساني وتكلمت في عدم شرعيته ـ كزي إسلامي ـ كدن يفتكن بي بعد تقديم شكوى ضدي، واتهموني بالعلمانية ورفض الحجاب... وبما أن الحجاب معلوم من الدين كركن منه وفرض.. فأنا أحارب أحد فرائض الإسلام!!... إلخ.
 وسألت نفسي.. حتى الباكستانيات!! فعلمت أن جرائم فقهاء البدو السعوديين ورؤية إبي الأعلى المودودي للحجاب من وراء هذا... لكن لا تظن أني أهاجم سعيرة دينية، بل أدافع عن الإسلام الذي ظلم بانضمام هؤلاء ومن على شاكلتهم إليه بنقل عادات قبلية ظنوها عبادات دينية!
 وهنا نصحني بعض الزملاء من باكستان ومصر أن ابتعد عن هذا الحوار لأن طباع التدين هنا ـ قبلي ـ وهم يعتبرون النقاب هو الحجاب لآن الآيات القرأنية تخدم معتقدهم... فقلت لكن كل نصوص القرآن لا تخدم فكرة النقاب نهائيا حتى الأحاديث النبوية الصحيحة.. قالوا: يا سيدي... دعهم وشأنهم!!
 وهكذا لمست فقها جامدا بدأ يهيمن على دول شرق آسيا، والاتجاه السلفي يسري كالنار في الهشيم ويغلق العقول وينذر بالشر المستطير.
 الكارثة الحقيقية.. ما وجدته في كليات الطب والصيدلة والعلوم في مصر..فإن من المفترض أنها كليات علمية عملية، إلا أن عقولهن تبددت ولم يعد فيها أمل يرجى.. وأثناء إحدى المحاضرات علمت أن معيدة في طب الأزهر (بنات) تركت العمل بكليتها لأنها تأتي من المنوفية ـ سفر ـ بدون محرم، والسفر حرام للمرأة، كانت الفاجعة...
 أجدني كاظم الغيظ من كارثة النقاب ويعلم ربي أنني لا أحارب الاحتشام أو الالتزام، لكني أبغض التشدد والتزمت بلا دليل، ولست أول من تقيده الأصول، لكن هناك فرق بين تيسير وتشديد.
 .... إن قضية التدين هذه اعتمدت الشكل لا المضمون، فمع طول اللحى وارتدأ الأنقبة فإن هناك سؤ أخلاق وانحدار في الذوق... إلخ. الأمر الذي يدل على أننا نستورد تدينا شكليا يسقط معه فقه الأولويات، وتقديم الأصول على الفروع، ويسقط الراجح ويقدم المرجوح، ويعطل النص السليم ويٌفعّل الضعيف، هي كارثة.
 والآن الموضوع يحتاج لفهم أعمق من الدولة التي تفسح المجال لهؤلاء الذين يحاربون به تيارا آخر، ولا يدرون أن أفكار القاعدة تنبع من العقول المتحجرة.
 وربما في خلوتك مع نفسك قد تلومها إذا شعرت أنك تهاجمهن بنقابهن هذا، ولكن القرآن نفسه لا يخدمهن: "وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، عن أي شيئ أغض بصري إن كان النقاب مفروضا؟
 وفي الحديث النبوي: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، وفي حديث آخر: "لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وعليك الثانية". وفي رواية أخرى: "النظرة الأولى لك والثانية عليك".
 وفي السنة أيضا: ".... قالت إمرأة عسفاء الخدين يا رسول الله: ما نقصان ديننا وعقلنا...." فكيف عرف الرواة أنها عسفاء الخدين؟
 النصوص كثيرة والقضية كبيرة...."
 والحديث يتواصل.
الدستور 8 يوليو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق