الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

محمود المصري... من أرشيف مقلاتي القديمة

مخربشات
محمود المصري
عماد أبو غازي


 مر اليومين الأخيرين في معرض تورينو بسلاسة، كان الإقبال الجماهيري على المعرض فيهما عاليًا للغاية، فيوم الأحد أجازة أسبوعية ويوم الاثنين أخر أيام المعرض، اللافت للنظر كان حجم الإقبال من طلاب المدارس والشباب الذين شكلوا الكتلة الأساسية من جمهور المعرض على مدى أيامه الخمسة، وزادت كثافة حضورهم في عطلة نهاية الأسبوع.


 شهد اليوم الأخير حضورًا واضحًا لفرقة النيل للآلات الشعبية التي يشرف عليها المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعي، كانت الفرقة قد شاركت في حفل الافتتاح الفني بعرض قصير مدته نصف ساعة، كما قدمت عرضًا مسائيًا في أحد المسارح القريبة من معرض الكتاب، ثم قدمت عرضًا ثالثًا يوم الأحد في ميدان من الميادين الرئيسية بقلب مدينة تورينو، وقد اجتذب هذا العرض جمهورًا واسعًا، في اليوم الأخير قدمت الفرقة عرضين الأول أمام المدخل الرئيسي للمعرض، والثاني أمام مدخل الجناح المصري بين بوابتي المعبد الفرعوني اللتين تشكلان واجهة الجناح، إلتف جمهور المعرض حول العازفين والراقصات واندمج معهم في فقرتين كان مقررا لكل منهما أن تستمر لمدة ربع ساعة لكن الوقت امتد ليصل إلى ساعة كاملة، في نفس اليوم شارك المخرج عبد الرحمن الشافعي بصفته باحثًا في التراث الشعبي ومؤصلًا لجذوره المصرية في ندوة نظمها بيت الحكمة العربي بتورينو وهو جمعية أهلية شكلها بعض العرب المقيمين في تورينو، كان موضوع الندوة عن الموسيقى والرقص في مصر منذ عصر الفراعنة، واستشهد الشافعي في محاضرته بنماذج حية من مبدعي فرقة النيل للآلات الشعبية، شارحًا من خلالهم الأصول المصرية القديمة للآلات الشعبية المعاصرة، احتشد الجمهور في شرفة بدمنت التي تقام فيها الندوة ليستمع إلى المحاضرة وعزف العازفين، لدرجة أن أمن المعرض أضطر لمنع باقي الجمهور المتجمع تحت الشرفة من الصعود خشية أن تسقط بهم الشرفة من كثرتهم، فالقاعة عبارة عن شرفة مفتوحة قائمة على ستة أعمدة حاملة، يصعد إليها بسلالم مرتفعة، أقيمت بها معظم الأنشطة الثقافية المصرية، كما حملت جدرانها معرض الفن التشكيلي المصري المعاصر.




 مساء اليوم الأخير نظمت إدارة المعرض مؤتمرًا صحفيًا ختاميًا، تحدث فيه رئيس الهيئة المنظمة ومدير المعرض، ورئيسة إقليم بدمونت ورئيس مقاطعة تورينو ومسؤل النشاط الثقافي بالمقاطعة وممثلو المؤسسات الاقتصادية الداعمة للمعرض، وأشاد الجميع بالمشاركة المصرية في المعرض وما حققته من نجاح، وكيف أعطت الأنشطة الثقافية المصرية المشاركة في المعرض صورة إيجابية عن الثقافة المصرية المعاصرة، تكمل الصورة الراسخة في الأذهان عن المنجز الثقافي والحضاري والفني للمصريين القدماء، كما أشاد منظمو المعرض بالمشاركة الفلسطينية التي تمثلت في جناح صغير للعرض وحضور لبعض المثقفين الفلسطينين، منهم الكاتبة والمخرجة ليانة بدر، كما تحدث الدكتور جابر عصفور رئيس الوفد المصري عن أهمية معارض الكتب ومنها معرض تورينو في بناء جسور المعرفة بين الشعوب، وقد ركز في كلمته على ضرورة الحوار الثقافي ومعرفة الآخر من أجل إقرار السلام بين البشر، ووجه التحية للقائمين على المعرض الذين أتاحوا فرصة جديدة للتواصل بين الثقافتين المصرية والإيطالية.


 وعقب المؤتمر الصحفي أقيمت حفل صغيرة بجناح محطة ريا للتلفزيون أشهر المحطات الإيطالية، وقد مثلت مصر في الحفل السفيرة شيرين ماهر القنصل العام لمصر في ميلانو التي صاحبت الوفد المصري منذ اليوم الأول للمعرض وتابعت خطوات الإعداد طوال العامين الماضيين، وتصدرت المائدة الرئيسية للحفل تورتة ضخمة فوقها نموذج لمجموعة من الكتب المصطفة هي شعار معرض تورينو، ومجموعة كبيرة من الأهرامات في إشارة إلى حضارة مصر ضيف الشرف، ثم لوحة من شيكولاتة تورينو الشهيرة على شكل قناع توت عنخ آمون، شعار المشاركة المصرية، الذي صممه الفنان الدكتور أشرف رضا مدير الأكاديمية المصرية في روما، الذي ساند عملية الإعداد والتجهيز للمعرض كما كان حاضرًا معنا بقوة خلال المعرض نفسه، وبهذا الحفل اختتم المعرض أعماله، وبدأ المشاركون يتفرقون على أمل لقاء في دورة جديدة وضيف شرف جديد.



 انتهى المعرض بنجاح وفي اليوم التالي، يوم السفر، كانت تورينو مشتعلة بالمظاهرات والإضرابات العمالية، تشهد شوارعها الرئيسية معارك بين المتظاهرين وقوات الأمن بدأت من اليوم السابق وشاهدناها على شاشات التلفزيون الإيطالي.


 كانت المشكلة بالنسبة لنا أن علينا أن نتحرك من أربعة فنادق مختلفة لنسافر بالأتوبيسات إلى ميلانو لنركب الطائرة عائدين إلى مصر، تأخرت السيارات وبدأ القلق يدب في قلوبنا، نجحنا في الاتصال بمكتب مصر للطيران في مطار ملبينزا بميلانو لنبلغهم بأن وفد من 75 مصري "محتجز" في تورينو، ونجح محمود مصطفى، أو كما عرفته أول مرة محمود المصري، في إنقاذ الموقف باقتناص سيارة أتوبيس كانت تسير في الشارع لتنتقل بنا إلى ميلانو، بعد ما دمنا نشف، لكني كنت واثقًا أن محمود سينجح في حل المشكلة مثلما نجح في تذليل كل المشكلات التي صادفتنا، ومحمود قصة نجاح مصري في المهجر، رجل خمسيني يصغرني بسنوات قليلة، عينيه تشع ذكاء، هاجر إلى إيطاليا من نحو ثلاثين عاما، ولم تنقطع جذوره المصرية، أصبح اليوم أشبه بعمدة للمصريين في تورينو، يمتلك نادي صحي وشركة للأمن والحراسة، تفرغ طوال فترة المعرض للعمل من أجل نجاح المشاركة المصرية، وأظنه نجح.

الدستور 27 مايو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق