الخميس، 28 سبتمبر 2017

مساء الخير من طوكيو... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
مساء الخير من طوكيو
عماد أبو غازي
 مساء الخير من طوكيو، صباح الخير في القاهرة، أكتب لكم بعد أن انتهت فعاليات معرض طوكيو الدولي السادس عشر للكتاب، والذي استضاف مصر كضيف للشرف، الساعة هنا تجاوزت الخامسة والنصف بينما لم ينتصف نهار القاهرة بعد، فارق التوقيت الكبير يعطي إحساس غريب، يكون نهارك قد انتصف وأوشكت أن تنهي أعمالك، بينما الناس في بلدك مازالوا نيامًا.


 إنها الزيارة الثانية لي لليابان، كانت المرة الأولى في خريف عام  2007 عندما ذهبت إلى جامعة طوكيو، بدعوة من الدكتور أوتوشي المتخصص في تاريخ مصر في عصر المماليك، ذهبت لإلقاء بعض المحاضرات في جامعة طوكيو، وفي فرع مكتبة البرلمان بمدينة نارا العاصمة القديمة لليابان، كانت رحلة مبهرة بالنسبة لي، زرت خلالها طوكيو وكيوتو ونارا، واصطحبني صديقي وزميلي أوتوشي في جولات لزيارة المتاحف الفنية والأثرية، وزيارة المعالم التاريخية في المدن الثلاثة، أمضيت وقتها قرابة أسبوعين من أجمل أيام حياتي، وتعرفت عن قرب على ثقافة مختلفة ومتميزة، وعلى شعب يدفعك أن تنحني له احترامًا، لقد كانت النهضة اليابانية موضوعًا لأول رسالة أكاديمية حصلت عليها قبل قرابة ثلاثين عامًا، عندما وجهني أستاذي الراحل الدكتور محمد أنيس إلى إعداد دراسة مقارنة بين النهضة اليابانية والنهضة المصرية منطلقًا من بحث صغير قدمه هو في مؤتمر علمي باليابان، وللنهضة اليابانية قصة في وجدان المصريين منذ كتب الزعيم مصطفى كامل كتابه عن بلاد الشمس المشرقة، في سنة 1905 عندما انتصرت اليابان على روسيا في الحرب، من يومها انتبه المصريون إلى أن اليابان قد بدأت تجربتها النهضوية بعدهم ومع ذلك حققت ما لم يحققوه، من يومها والمسألة اليابانية سؤال مطروح بإلحاح، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله، يحضر السؤال كلما حضر سؤال النهضة، لقد حصلت على درجة الدبلوم في الدراسات العربية بهذه الرسالة عام 1980، ومن يومها وأنا أتحدث عن اليابان وتجربتها دون أن أراها أو أعايشها عن قرب.


 عندما زرت اليابان بعد ثلاثين عامًا من دراستي لتجربتها في النهضة، أحببت اليابان، وأحببت ناسها، لذلك كنت متحمسًا للرحلة أعد الأيام في لهفة للقاء اليابان مرة أخرى، لكن هذه المرة لن تتاح لي الفرصة للخروج خارج طوكيو، ولا لزيارة نارا أو كيوتو، المدينتان اللتان عشقتهما، واعتبرتهما قطعة من الجنة، لن أتمكن من أن أشاهد ـ للأسف ـ معابد كيوتو الرائعة ولا الأشجار العملاقة على الجبال التي تحيط بها ولا الجداول التي تتخللها، ولن أشاهد غزلان مدينة نارا التي تسير أمنة في الشوارع بين الناس، لكن عموما يكفيني أنني سأرى الأصدقاء في طوكيو وستتاح لي مرة ثانية فرصة التجول في شوارعها وزيارة جامعتها، التي تكبر جامعتنا بثلاثين عامًا.
 بداية الرحلة كانت في مبنى الركاب الجديد (3) المبنى رائع مستوى الخدمة داخله لا يقل عن أي مطار عالمي كبير، إنه إنجاز مشرف يستحق أن نفخر به، ولكن ـ وأه من لكن ـ بعد أن دخل الركاب جميعا إلى البوابة، والطائرة تقف أمامنا في انتظار التعليمات لنتحرك إلى داخلها، اقترب موعد الإقلاع ولم يتم النداء، ثم تجاوزنا الموعد بربع ساعة دون نداء أو اعتذار، وارد جدًا في أي مكان في الدنيا أن تتأخر الطائرة عن موعدها، لكن غير الوارد أن لا يتم إعلام الركاب والاعتذار لهم، خصوصًا أن الركاب جميعًا من اليابان باستثناء أربعة مصريين وثلاثة أفارقة، وفي اليابان عندما تقف على محطة المترو فإن اللوحات الإرشادية والإذاعة الداخلية تخبرك بدقة متناهية بموعد المترو القادم والذي يليه، ولو تأخر المترو لثواني أو لم يقف في مكانه على الرصيف بدقة متناهية، فهذه كارثة تستوجب الحساب والمسألة، وقبل ذلك الاعتذار للجمهور، اختفى المسؤلين في مصر للطيران تمامًا، وعندما نجحنا بمساعدة رجال الشرطة في الوصول إلى أحدهم لمطالبته باعتذار وتوضيح للركاب المنتظرين، تعلل بأن الطائرة غير صالحة ولا يعرف متى ستقوم، بعد ساعة وربع، تم تقديم المشروبات المثلجة للركاب المنتظرين، وبعد ساعة ونصف تم النداء ودخلنا للطائرة، كانت الرحلة رغم طولها، 11 ساعة تقريبًا، مريحة وسهلة.
 في مطار ناريتا الدولي قابلت الدكتور أحمد السلماوي مستشارنا الثقافي الذي كان في استقبال وفد معماري مصري برئاسة الدكتور محمد عوض جاء لمتابعة مسابقة إنشاء الجامعة اليابانية ببرج العرب، وكان في انتظاري مندوب من السفارة اصطحبني إلى الفندق، بمنطقة أريكا وهي ضاحية على أطراف طوكيو تطل على المحيط الهادي، أو على وجه الدقة على خليج طوكيو، هذه الضاحية تم تشيدها بردم جزء من الخليج باستخدام المخلفات بدلًا من إحراقها، وأقيمت فوق هذه المخلفات ضاحية عملاقة تتميز بأبراجها ومبانيها الشاهقة.

 في المساء ألتقينا بالسفير المصري الدكتور وليد عبد الناصر، نموذج للدبلوماسي والباحث الذي يشرف مصر بحضوره ونشاطه، لولا جهوده التي استمرت قرابة عام وموالاته هو ومعاونيه للوفد المصري في طوكيو لما كان لنجاح هذا النشاط الثقافي أن يتحقق.


 صباح الخميس 9 يوليو كان الافتتاح الرسمي للمعرض بحضور الأمير أكيشينو شقيق ولي العهد وزوجته، شارك في قص شريط الافتتاح خمسين شخصية في مراسم رمزية تختلف عن الأسلوب التقليدي لقص الشرائط، شارك من مصر في قص الشريط الدكتور وليد عبد الناصر سفيرنا في طوكيو والأستاذ أحمد صلاح زكي رئيس الجناح المصري في المعرض، عندما زار الأمير جناح مصر في بداية جولته توقف طويلًا عند الخطاط الفنان أوس الأنصاري، الذي جاء ليكتب لليابانيين أسمائهم بالخط العربي، كتب للأمير ولزوجته أسميهما وهما يتابعانه بإعجاب شديد، لدرجة اضطرت المنظمين للمعرض إلى دعوتهما لمغادرة الجناح المصري حتى لا تتأخر باقي مراسم الافتتاح.









 أسبوع من العمل أمضيناه في طوكيو لتخرج المشاركة المصرية في المعرض بشكل لائق يقدم الثقافة المصرية قديمها ومعاصرها، اليابانيون كما قال السفير المصري في اليابان الدكتور وليد عبد الناصر في ندوة شارك فيها في المعرض لديهم معرفة واسعة بالحضارة المصرية القديمة، وولع بها لا يضاهيه إلا ولع الفرنسيين بمصر، أما علاقتهم بالثقافة المصرية المعاصرة فمحدودة، باستثناء المتخصصين في دراسة مصر والمنطقة العربية، وهم بالمناسبة ليسوا قليلين.

الدستور 15 يوليو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق