الاثنين، 11 سبتمبر 2017

هل نجحت ثورة 1919؟ من أرشيف مفالاتي القديمة

مخربشات
هل نجحت ثورة 1919؟
عماد أبو غازي
  هل نجحت ثورة 1919 في تحقيق أهدافها؟
 سؤال تردد بقوة منذ الأشهر الأخيرة لعام 1919، تردد بين الساسة المصريين المعاصرين، وبين الجماهير التي شاركت في الثورة أولًا، هل كان هناك مقابل للتضحيات التي قدمها الشعب من شهداء وجرحى ومعتقلين ومحكوم عليهم بالإعدام والسجن والحبس والجلد والغرامة.


 وبعد أن هدأت الأمور واستقرت الأحوال وصدر تصريح 28 فبراير 1922 من جانب بريطانيا الذي اعترفت فيه بمصر مملكة مستقلة مع أربعة تحفظات تحد من هذا الاستقلال، وصدر دستور 1923، تجددت التساؤلات، وتعددت الإجابات باختلاف مواقف من يجيبون على السؤال، خاصة أن الانقسامات والانشقاقات كانت قد تسربت إلى صفوف الوفد، ودارت في معظمها حول أسلوب التفاوض مع الإنجليز، والموقف من العروض البريطانية. وقد وقع أول انشقاق في الوفد المصري في يوليو 1919، عندما قرر الوفد اعتبار إسماعيل باشا صدقي ومحمود بك أبو النصر منفصلين من عضويته لمخالفتهما خطة الوفد السياسية كما تم كذلك فصل حسين باشا واصف، ثم توالت الانقسامات.
 وفي منتصف الأربعينات أعاد مؤرخ الحركة الوطنية عبد الرحمن الرافعي طرح السؤال مجددًا في ختام كتابه عن ثورة 1919، ورغم انتمائه للحزب الوطني الذي كان على خلاف مع الوفد فقد اتسم حكمه بالحياد والموضوعية ووضع معايير ليقيس عليها مدى نجاح الثورة، وكان معياره "تعرف الحالة التي كانت عليها البلاد قبل الثورة، والحالة التي وصلت إليها بعد الثورة، وهل تقدمت أم تأخرت، وما علاقة الثورة بهذا التقدم أو التأخر؟"
 وفي ضوء هذا المعيار انتهى الرافعي إلى نجاح الثورة بشكل عام، وكان مأخذه الأساسي إغفال قيادة الثورة للجانب الاقتصادي وإن كان قد أشار إلى أن الواقع الجديد بعد الثورة قد دفع تلقائيًا في اتجاه تطور الاقتصاد.
 وبعد انقلاب يوليو وفي محاولات النظام الجديد لمحو تاريخ مصر السابق على يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 أهيل التراب على ثورة 1919 وقيادتها التاريخية، ورددت مناهج التعليم ما ورد في الميثاق الوطني من أقوال حول فشل ثورة 1919.
 واستند الميثاق الوطني إلى عدة أسباب اعتبارها مسئولة عن فشل ثورة 1919، يقول الميثاق: "إن ثورة الشعب المصرى سنة 1919 تستحق الدراسة الطويلة؛ فإن الأسباب التى أدت إلى فشلها هى نفس الأسباب التى حركت حوافز الثورة فى سنة 1952، إن هناك ثلاثة أسباب واضحة أدت إلى فشل هذه الثورة، ولابد من تقييمها فى هذه المرحلة تقييمًا أمينًا ومنصفًا.
 أولًا: إن القيادات الثورية أغفلت إغفالًا يكاد أن يكون تامًا مطالب التغيير الاجتماعى؛ على أن تبرير ذلك واضح فى طبيعة المرحلة التاريخية التى جعلت من طبقة ملاك الأراضى أساسًا للأحزاب السياسية التى تصدت لقيادة الثورة، ومع أن اندفاع الشعب إلى الثورة كان واضحًا فى مفهومه الاجتماعي إلا أن قيادات الثورة لم تتنبه لذلك بوعي؛ حتى لقد ساد تحليل خاطئ في هذه الظروف ردده بعض المؤرخين؛ مؤداه أن الشعب المصري ينفرد عن بقية شعوب العالم بأنه لا يثور إلا في حالة الرخاء؛ ولقد استدلوا على ذلك بأن الثورة وقعت في ظروف الرخاء الذي صاحب ارتفاع أسعار القطن فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وذلك استدلال سطحي...
 ثانيًا: إن القيادات الثورية فى ذلك الوقت لم تستطع أن تمد بصرها عبر سيناء، وعجزت عن تحديد الشخصية المصرية، ولم تستطع أن تستشف ـ من خلال التاريخ ـ أنه ليس هناك صدام على الإطلاق بين الوطنية المصرية وبين القومية العربية، لقد فشلت هذه القيادات فى أن تتعلم من التاريخ، وفشلت أيضًا فى أن تتعلم من عدوها الذي تحاربه، والذي كان يعامل الأمة العربية كلها على اختلاف شعوبها طبقًا لمخطط واحد. ومن هنا فإن قيادات الثورة لم تنتبه إلى خطورة وعد "بلفور" الذي أنشأ إسرائيل لتكون فاصلًا يمزق امتداد الأرض العربية، وقاعدة لتهديدها؛ وبهذا الفشل فإن النضال العربي في ساعة من أخطر ساعات الأزمة حرم من الطاقة الثورية المصرية، وتمكنت القوى الاستعمارية من أن تتعامل مع أمة عربية ممزقة الأوصال مفتتة الجهد. واختصت إدارة الهند البريطانية بالتعامل مع شبه الجزيرة العربية ومع العراق، وانفردت فرنسا بسوريا ولبنان، بل وصل الهوان بالأمة العربية فى ذلك الوقت إلى حد أن جواسيس الاستعمار تصدروا قيادة حركات ثورية عربية، وكانت بأمرهم وبمشورتهم تقام العروش للذين خانوا النضال العربى، وانحرفوا عن أهدافه. كل هذا والحركة الثورية الوطنية فى مصر تتصور أن هذه الأحداث لا تعنيها، وأنها لا ترتبط مصيريًا بكل هذه التطورات الخطيرة.
 ثالثًا: إن القيادات الثورية لم تستطع أن تلائم بين أساليب نضالها وبين الأساليب التي واجه الاستعمار بها ثورات الشعوب في ذلك الوقت.
 إن الاستعمار اكتشف أن القوة العسكرية تزيد ثورات الشعوب اشتعالاً؛ ومن ثم انتقل من السيف إلى الخديعة، وقدم تنازلات شكلية لم تلبث القيادات الثورية أن خلطت بينها وبين الجوهر الحقيقي، وكان منطق الأوضاع الطبقية يزين لها هذا الخلط.
... وهكذا انتهت الثورة بإعلان استقلال لا مضمون له، وبحرية جريحة تحت حراب الاحتلال، وزادت المضاعفات خطورة بسبب الحكم الذاتى الذي منحه الاستعمار، والذي أوقع الوطن باسم الدستور في محنة الخلاف على الغنائم دون نصر.
وكانت النتيجة أن أصبح الصراع الحزبي في مصر ملهاة تشغل الناس، وتحرق الطاقة الثورية في هباء لا نتيجة له. وكانت معاهدة سنة 1936 التي عقدت بين مصر وبريطانيا، والتي اشتركت في توقيعها جبهة وطنية تضم كل الأحزاب السياسية العاملة في ذلك الوقت؛ بمثابة صك الاستسلام للخديعة الكبرى الذي وقعت فيها ثورة سنة 1919، فقد كانت مقدمتها تنص على استقلال مصر؛ بينما صلبها في كل عبارة من عباراته يسلب هذا الاستقلال كل قيمة له وكل معنى."
 كان هذا تحليل الميثاق الذي سيطر على مناهج التعليم لسنوات رغم التراجع الجزئي للنظام عنه بعد هزيمة يونيو 1967، فهل حقًا فشلت ثورة 1919؟

الدستور أبريل 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق