الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

العودة من تورينو... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
العودة من تورينو
عماد أبو غازي


 في طريق العودة إلى القاهرة من إيطاليا بعد أن انتهى معرض تورينو للكتاب وأيام الثقافة المصرية بالمدينة، وعندما بدأ طاقم الضيافة في طائرة مصر للطيران في توزيع الصحف على الركاب، كانت المرة الأولى التي أطالع فيه جريدة مصرية منذ أكثر من عشرة أيام، ما زالت الصفحات الأولى للصحف القومية والحزبية والمستقلة تتسابق في نقل أخبار وصور المعالجة الحكومية لمواجهة مخاطر انتشار الأنفلونزا الجديدة، كنت قد غادرت القاهرة ومذبحة الخنازير على أشدها، ونحن في مطار القاهرة في الطريق إلى إيطاليا شاهدت آثار "المواجهة" في مطار القاهرة، عدد من العاملين بالمطار كانوا يرتدون الكمامات الواقية، لم أفهم المبرر، فنحن في صالة المغادرة، ويفترض أن مصر لم تظهر بها حالات للأنفلونزا، والعاملين في صالة السفر يتعاملون مع المغادرين للبلاد، كنت أتابع قبل السفر أخبار انتشار المرض على مستوى العالم من خلال تقارير الصحة العالمية، وكنت أعرف أن هناك عدة حالات لإصابة المؤكدة في إيطاليا إلى جانب حالات أخرى مشتبه فيها، توقعت أن أجد مطار ملبينزا بميلانو في حالة طوارئ بسبب الوباء، لكننا خرجنا من المطار في دقائق ولم نلحظ أي إجراءات استثنائية.
 طوال عشرة أيام أمضيتها في تورينو كنت قد نسيت مذبحة الخنازير وحالة العشوائية والجنون الجماعي التي أصابتنا وانعكست على الآداء المصري في مواجهة الأنفلونزا المسماة بأنفلونزا الخنازير، والصور الكئيبة البائسة التي تتصدر الصفحات الأولى لصحفنا لمجزرة الخنازير، والتصريحات الأكثر كأبة وبؤسا للمسؤلين. كانت استراحة قصيرة بعيدا عن العشوائية، وها قد عدنا للعشوائية مرة أخرى.
 أثناء الرحلة في الطائرة أخذ الشابان الجالسان إلى جواري يناقشاني في موضوع الأنفلونزا والخنازير، والفارق في التعامل الرسمي بين حالاتي أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير، إنهما عائدان إلى مصر في زيارة بعد سنوات من العمل في إيطاليا، يتصوران، لا أعرف لماذا، إن الدولة منحازة لصالح الخنازير ضد الطيور، رغم أن مذبحة الخنازير فاقت في السرعة والاتساع مذبحة الطيور.
 هبطت الطائرة في أرض مطار القاهرة، وأقلنا الأتوبيس إلى صالة الوصول، بمجرد نزولنا فوجئت بازدحام شديد غير معتاد عند مدخل الصلاة، عندما وصلنا إلى المدخل تبينت الأمر، حواجز معدنية تمنع القادمين من الدخول إلى شبابيك الجوازات، وأطقم طبية من الأطباء والممرضات يرتدون جميعا الأقنعة الطبية الواقية، طلبوا منا تعبئة استمارة ببياناتنا الشخصية ومحال إقامتنا وأرقام تليفوناتنا، وأخذوها منا على بعضها دون فرز وقبل أن يتم فحصنا، ما الهدف من تعبئتها؟ لا أعرف.
 تم حشرنا، عشرات من القادمين، في مربع مساحته أربعة متر في أربعة متر، لو فرضنا أن أحد القادمين مريض وعطس لانتقلت العدوى إلى معظمنا في ثواني.
 وقفنا في صف وتقدمنا واحد واحد، وطلبوا ممن يرتدي نظارة طبية أن يخلعها، وتم توجيه شعاع إلى رؤسنا من جهاز الأشعة تحت الحمراء، الذي بدأ استخدامه في مطار القاهرة بمناسبة تفشي الأنفلونزا، يفترض أنه جهاز لقياس درجة الحرارة عن بعد، اللي ما عندوش حرارة يعدي لاستكمال إجراءات الدخول.
 تشعر أن هناك مبالغة شديدة في الإجراءات، لقد زرت خلال أقل من شهر، وبعد ظهور الأنفلونزا الجديدة دولتين أوروبيتين هما سويسرا وإيطاليا، لم أشهد مثل هذا الهلع في المطارات أو في الصحف ووسائل الإعلام، وبالطبع لم يحدث في أي منهما ولا في أي بلد من بلاد العالم المتقدم أو المتخلف ما حدث مع الخنازير عندنا، ولا ما حدث مع الطيور من قبل ومازال يحدث إلى الآن.
 إن رد الفعل الشعبي والرسمي تجاه الأنفلونزا الجديدة والمعروفة إعلاميا بأنفلونزا الخنازيروإزاء انتشارها السريع في العالم، ومن قبلها تجاه أنفلونزا الطيور، يعكس غياب العقل والعلم في تصرفاتنا والسير وراء الغوغائية في معالجة مشاكلنا، كان الحل الأسهل والأسرع دون دراسة قتل الخنازير، مثلما دمرنا من قبل الثروة الداجنة، ومع ذلك استوطنت أنفلونزا الطيور في مصر وحققنا تفوقا على بلدان العالم في الإصابات التي تم رصدها، لم يمنع إعدام الفراخ المرض، كذلك لن يكون إعدام الخنازير الوسيلة الناجحة لمنع ظهور المرض في مصر، فالعدوى تنتقل من البشر إلى البشر، فهل نعدم البشر؟
 عندما وصلت إلى المنزل وفتحت بريدي الإلكتروني، وجدت رسالة تدعوني إلى المشاركة في تحرك عالمي عاجل من أجل وقف المهزلة التي تحدث في مصر تجاه الخنازير، بإرسال رسالة إلكترونية إلى رئيس الوزراء المصري تحتج على ما يحدث، الرسالة من "الجمعية الدولية لحماية الحيوانات" وهي منظمة دولية مقرها في لندن تهتم بحماية الكائنات الحية الأخرى، شركائنا في الكوكب من جنون البشر وعدوانهم الهمجي، أتلقى منها رسائل دورية باعتباري من المهتمين بأحوال الحيوانات، سبق أن تلقيت منهم رسالة سابقة بخصوص أورنجتان يتيم فقد عائلته بسبب تعدي البشر على الغابات في شرق آسيا، وأخرى عن نشاطهم في إنقاذ الحيوانات من ضحايا الحروب، لم أبعث برسالة الاحتجاج إلى رئيس الوزراء فالمذبحة كانت قد تمت.
الدستور 3 يونيو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق