الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

نجحت الثورة ونص... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
نجحت الثورة ونص...
عماد أبو غازي
 كانت رؤية ميثاق نظام يوليو 1952 لثورة 1919 تتضمن الإجابة المؤكدة بأن الثورة قد فشلت، وحدد الميثاق أسباب فشلها في غياب البعد الاجتماعي والبعد العربي وافتقاد الأدوات النضالية الملائمة، فهل حقا فشلت الثورة؟


 لكي نجيب عن السؤال لابد أن نحدد ما الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، ومدى تحقيقها لتلك الأهداف، حتى نستطيع أن نجيب عن السؤال، بالإيجاب أو النفي، ونقول إن الثورة قد نجحت أو نقول إنها فشلت، بدلًا من أن نحاكمها على أهداف افتراضية لم يضعها قادة الثورة ولا جماهير الثائرين.
 لقد بدأت أحداث الثورة يوم 9 مارس 1919 ردًا على نفي الزعماء، سعد وزملاؤه إلى مالطة، إذن كان المفجر المباشر للثورة الذي حولها من حركة سلمية هادئة إلى ثورة عارمة عنيفة القبض على زعماء الوفد ونفيهم، هذا التصرف الذي قامت به سلطات الاحتلال البريطاني حول حركة جمع التوكيلات للوفد المصري وسعي الوفد للسفر لمؤتمر الصلح، تلك الحركة التي ولدت يوم 13 نوفمبر 1918، من حركة سلمية إلى ثورة عنيفة.

 ومن هنا فقد كان الهدف الأول للثورة عودة الزعماء المنفيين والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح، وقد رضخت سلطات الاحتلال قبل مرور شهر على الثورة وأفرجت عن الزعماء، وسمحت لهم بالسفر إلى باريس، وألغت القيود على سفر المصريين لخارج البلاد، استجابة لمطلب ألح عليه المصريون منذ انتهاء الحرب العظمى في نوفمبر سنة 1918، وكان تعنت السلطات العسكرية البريطانية وفرضها القيود على سفر المصريين بمن فيهم رئيس الوزراء سببًا في استقالة وزارة حسين باشا رشدي.
 وهكذا تحقق أول انتصار للثورة بالإفراج عن الزعماء المنفيين وسفرهم لباريس وإقرار مبدأ حق المصريين في السفر للخارج، وقياسًا على ما حدث لأحمد عرابي وزملائه من زعماء الثورة العرابية الذين طال نفيهم لسنوات فقد كان هذا نجاحًا لثورة 1919 لا شك فيه وتحقيقًا للهدف المباشر الذي انفجرت الثورة من أجله.

 أما الأهداف الأهم والأعمق والأبعد للثورة فهي نفس أهداف النضال الشعبي المصري التي أخذت تتبلور تدريجيًا منذ ثورة المصريين في يوليو سنة 1795 ضد طغيان مراد بك وإبراهيم بك زعيمي المماليك، لقد أخذت أهداف المصريين تسير في اتجاه أساسي: انتزاع حقهم في إدارة أمور بلادهم بأنفسهم، أو ما عبرت عنه الحركة الوطنية المصرية منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وصاغته في شعار "مصر للمصرين"، ذلك الشعار الذي تحول منذ مطلع القرن العشرين إلى مطلبين محددين: الاستقلال والدستور، وكان المطلبان هدفين كبيرين لثورة 1919.


 واتسم النضال من أجل تحقيق الاستقلال والدستور عبر عقود طويلة بالتدرج والمعارك الجزئية الصغيرة والكبيرة، المعارك التي يتحقق من خلالها نصر هنا وآخر هناك لنصل إلى الهدف في النهاية.
 وكانت ثورة 1919 واحدة من هذه المعارك، بل أكبرها وأهمها، فماذا حقق الشعب فيها من خطوات في اتجاه تحقيق الهدفين الكبيرين لنضاله: الاستقلال والدستور؟
 لقد نجحت الثورة في إلغاء الحماية رغم إقرار مؤتمر الصلح لها، فكان لاستمرار الثورة لأسابيع وشهور بعد الإفراج عن الزعماء أثره في إنهاء الحماية البريطانية على مصر وسعي بريطانيا للدخول في مفاوضات لتحديد شكل علاقتها بمصر، وفي هذا السياق تشكلت لجنة ملنر البريطانية لتضع تصورًا من خلال استطلاع رأي المصريين، ومرة أخرى كانت مقاطعة المصريين للجنة تعبيرًا عن استمرار الثورة ورفض المماطلة البريطانية، حتى أضحى هذا الموقف مثلًا في الثقافة المصرية يشير إلى حدة المقاطعة والخصام، عندما توصف مقاطعة إنسان لآخر بأنها "ولا مقاطعة لجنة ملنر"، أو عندما يقول شخص مبينًا موقفه من شخص آخر "هأطعة مأطعة لجنة ملنر".


 لقد انتجت الثورة بعد ثلاث سنوات الاعتراف باستقلال مصر من جانب واحد بصدور تصريح 28 فبراير سنة 1922، الذي اعترفت فيه بريطانيا بمصر مملكة مستقلة، مع بعض التحفظات التي شكلت انتقاصًا من هذا الاستقلال. كان التصريح تعبيرًا عن التوازن الذي انتهى إليه الحال بعد ثورة 1919، فاستمرار الحماية مستحيل، لكن حركة الجماهير أضعف من أن تحقق الاستقلال التام في ضربة واحدة، وقد أفرز الواقع الجديد دستورًا للبلاد، دستور 1923 الذي يعد من أفضل الدساتير في تاريخ مصر، وكذلك حياة نيابية تقوم على التعددية الحزبية، وكانت الحياة النيابية ومبدأ المواطنة المصرية الذي صاغته ثورة 1919 من خلال شعارها الملهم "الدين لله والوطن للجميع" من أهم المكاسب التي حققتها ثورة 1919 في طريق النضال من أجل الدستور والاستقلال.
 وطوال الحقبة الليبرالية استمرت الروح الثورية وتجددت في مواجهة استمرار الوجود العسكري البريطاني والامتيازات الأجنبية، كما تصاعدت الحركات الجماهيرية في مواجهة الانقلابات الدستورية وفي مقدمتها انقلاب إسماعيل صدقي سنة 1930.
 كما فتحت الثورة آفاق بعث جديد في الفنون تجلى في مجالات الفنون التشكيلية والموسيقى والغناء وتحول وضع هذه الفنون بعد الثورة والتحمت بالجماهير وقضاياها، وفي الآداب تطورت الكتابة الروائية والكتابة المسرحية بشكل لافت للنظر وارتبطتا بالتحولات الاجتماعية الجديدة.
 وفي الاقتصاد كانت الثورة دافعًا لحلم راود المصريون منذ عقود، حلم بناء اقتصاد وطني في مواجهة الامتيازات الأجنبية ورغمًا عن وجودها، فشهدت البلاد نهضة صناعية جديدة أثرت على المجتمع كله وعلى أفكاره.
 كما كانت الثورة دافعة للانطلاقة السياسية للمرأة المصرية ولسعي قوي من أجل انتزاع حقوقها.

  بعد كل هذا فالإجابة على السؤال في ضوء ما تحقق من أهداف: نجحت ثورة 1919، بل نجحت ونص كمان... أما "ثورة يوليو" فماذا حققت من أهدافها الستة، وإلى أين انتهى بنا الحال في كل هدف منها؟  أترك الأجابة لكم...
الدستور 29 أبريل 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق