الجمعة، 22 سبتمبر 2017

كوكبنا يستغيث بنا... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
كوكبنا يستغيث بنا
عماد أبو غازي
 "كوكبنا يستغيث بنا" شعار اليوم العالمي للبيئة هذا العام، إنه شعار يعبر عن واقع حالنا اليوم على كوكب الأرض، بالفعل الأرض تستغيث بنا من أفعالنا.
 فهل هناك ما يمكن أن نفعله نحن لنلبي إستغاثة الأرض بعد أن دمرنا بيئتنا ووصلنا بأرضنا إلى حافة الهاوية؟


 نعم هناك الكثير الذي يمكن أن نفعله، هناك ما يمكن أن نقوم به بشكل جماعي في السعي من أجل الحفاظ على البيئة وسلامتها، وما يمكن أن نقوم به أفرادا من تغيير لسلوكياتنا الضارة بالبيئة.
 لقد تنبه بعض العلماء في الغرب للمخاطر التي تتعرض لها الأرض وأخذوا يدقوان أجراس الخطر، منذ قرابة أربعين سنة، وقتها كان الناس يتعاملون مع هؤلاء العلماء باعتبار أنهم يهولون الأمور ولا يصدقونهم، كانوا مثل أنبياء لا يصدقهم أحد، كان الناس يتعاملون معهم مثلما يتعاملون مع أشخاص مشوشون مصابون بلوثة عقلية، كانت الشركات الصناعية الكبرى الملوث الأول للبيئة في العالم تحاربهم، وتستأجر علماء وباحثين يطرحون نظريات زائفة مضادة تهون من الأمر وتبعد الاتهام عن قطاع الصناعة، أو تنفي من الأساس أن هناك خطرا داهما يحيق بالأرض، لكن إصرار أنصار البيئة على عرض قضيتهم ودأبهم في الدفاع عنهم جعلهم يكتسبون الأنصار، بدأ الناس يدركون الآثار المدمرة للتلوث البيئ على مستقبل كوكبنا، بدأت الجماعات المدافعة عن البيئة تتشكل حول العالم، وبدأت أحزاب الخضر في أوروبا تتحول إلى رمانة الميزان في كل انتخابات برلمانية أوروبية، انتبهت الأمم المتحدة للخطر وعقدت المؤتمرات الدولية من أجل مواجهته.

د. مصطفى كمال طلبة
 وفي مصر كان هناك من بين علمائنا من تنبهوا لتلك المخاطر مبكرا ونبهوا إليها، ولعب بعضهم من أمثال الدكتور مصطفى كمال طلبة والدكتور محمد عبد الفتاح القصاص أدورًا على المستوى الدولي أهلتهم لمكانة بارزة بين المدافعين عن البيئة في العالم. لكن الوعي البيئ في مصر ظل يتحرك ببطء ويتطور على استحياء منذ بدأت بعض منظمات المجتمع المدني تتجه للعمل في مجال الحفاظ على البيئة في ثمنينيات القرن الماضي، وهي نفس الحقبة التي شهدت اهتمامًا من الدولة بالقضية من خلال إنشاء جهاز البيئة ثم حقيبة وزارية لشئون البيئة، وبعض البرامج الإذاعية التي تلقي الضوء وتنبه للخطر.
 لقد ظل النشاط الأهلي والنشاط الحكومي يسيران جنبا إلى جنب، وظهرت جمعيات أهلية تعنى بقضايا البيئة، وتشكلت الجمعية المركزية للحفاظ على البيئة التي ترأسها الدكتورة ليلى تكلا وتسعى لنشر الوعي البيئ في مجتمعنا، لكن هل أثمرت جهود السنوات الماضية في تحقيق تقدم ملموس في قضايا البيئة، للأسف لا، لكن هذا لا يدعونا إلى أن نفقد الأمل، لقد استغرق العالم سنوات حتى يصدق دعاة البيئة ويسير ورائهم وعلينا أن نبذل جهدا أكبر في إقناع الناس بتبني سلوكيات صديقة للبيئة، وجهد أكبر لضغط من أجل أن تتبنى الدولة سياسة بيئية سليمة، وأن تفعل سلطات جهاز البيئة ووزير الدولة لشئون البيئة لتمتد ولايتهما في تطبيق القوانين البيئية على الجميع دون استثناء.

د. القصاص
 لقد كان شعار الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في العام الماضي، عام 2008، "فلنكسر العادة"، وإذا نجحنا في كسر العادة سنحسن أحوالنا البيئية كثيرًا، إننا جميعا شركاء في تدمير البيئة، والأغنياء أكثر تدميرًا للبيئة من الفقراء على المستوى الوطني مثلما أن الدول الغنية أكثر تدميرا للبيئة من الدول الفقيرة، فعليهم تقع المسئولية الأكبر في تغيير سلوكهم من أجل اقتصاد أقل اعتمادًا على الكربون.
 لكن كيف سيغير الأغنياء سلوكهم؟
 لن يغيروه إلا من خلال جماعات ضغط تسعى لإصدار تشريعات ملزمة للحفاظ على البيئة وآليات واضحة لتنفيذ هذه التشريعات.
 جماعات ضغط من أجل تخفيض استهلاك الطاقة، استهلاك أقل للطاقة الكهربائية في البيوت والمصالح الحكومية.
 جماعات ضغط من أجل استهلاك أقل للوقود، أي استهلاك أقل للسيارات الخاصة، مع توفير وسائل نقل عام آدمية ومتدفقة تشجع الناس على الإقلال من الاعتماد على السيارات الخاصة.
 جماعات ضغط من أجل استخدام رشيد للمياه، مياه من أجل زراعة القمح، مياه من أجل الشرب، لا مياه من أجل ملاعب الجولف.
 جماعات ضغط من أجل الحفاظ على نهر النيل نظيفًا غير ملوث، بمنع المصانع من إلقاء مخلفاتها في النهر الذي ماتت أجزاء كاملة منه بفعل أيدينا، والتوقف عن الصرف الصحي في النيل والبحر.
 ونحن كأفراد نستطيع أن نعدل من سلوكياتنا في أمور كثيرة صغيرة في حياتنا لنقلل من التلوث حولنا، ولنقلل من مسببات الاحتباس الحراري في الأرض الذي أصبحت مصر من أكثر دول العالم تعرضا لمخاطره.
 لنجرب ألا نترك أضواءً مضاءة بدون داعي في بيوتنا أو مكاتبنا، أن نقلل من استخدام أجهزة التكييف، ألا نترك شاشات الكومبيوتر أو التلفزيون مفتوحة بلا داعي، أن نمتلك الجراءة لركوب العجل بدلًا من السيارات أو وسائل النقل العام، أن نزرع شجرة صغيرة أمام بيوتنا أو قصرية زرع في شبابيكنا أو شرفات منازلنا أو مكاتبنا، أن نقتصد في استخدام المياه، إنها أشياء صغيرة لكن اعتيادنا عليها وانتشرها بيننا يمكن أن يغير الكثير.

 الدستور 17 يونيو 2009 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق