الخميس، 21 سبتمبر 2017

5 يونيو... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
5 يونيو
عماد أبو غازي
 يصادف يوم 5 يونيو من كل عام اليوم العالمي للبيئة، اليوم الذي تحتفل به دول العالم منذ عام 1972 عندما انطلقت أول صيحة تحذير دولية تنبه للمخاطر التي يتعرض لها كوكبنا بسبب التلوث الذي نتج عن الثورة الصناعية. ففي عام 1972، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 5 يونيو يوماً عالمياً للبيئة وذلك في ذكرى افتتاح مؤتمر استكهولم حول البيئة الإنسانية، كما صدقت الجمعية العامة في اليوم ذاته على قرار تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة.


 لقد أنجز الغرب الثورة الصناعية واكتملت ملامحها في القرن التاسع عشر، وانتقلت البشرية معها إلى مرحلة جديدة من تاريخها، وشهدت بفضل ما تحقق في ظلها من تقدم علمي زيادة سكانية هائلة بسبب ارتفاع متوسطات الأعمار للبشر، صاحبها معدلات في الاستهلاك لم يعرفها الإنسان منذ ظهوره على كوكب الأرض، وأصبحت فكرة مجتمع الرفاهية هدفا تسعى إليه كل شعوب الأرض وتعمل من أجله، فشهد القرنين الأخيرين استنزافا غير مسبوق للموارد الطبيعية، كما أحرق سكان كوكبنا كميات من الوقود في مائتي سنة تفوق مئات المرات ما أحرقوه منذ اكتشف الإنسان الأول النار. وقد جاء في "تقرير الأرض" الذي أعدته ثلاث من المنظمات التي تعنى بالحفاظ على البيئة، هي صندوق الطبيعة العالمي وجمعية دراسة الحيوان بلندن والشبكة العالمية لآثار التلوث، ونشره موقع بي بي سي في نوفمبر الماضي: "إن البشرية تحتاج لكوكبين بحلول عام 2030، وإن كوكب الأرض مهدد بانهيار بيئي شبيه بأزمة القروض المنعدمة التي يشهدها العالم".
 ويرى التقرير أن الاستنزاف الذي تتعرض له موارد الأرض الطبيعية، قد تجاوز إمكانياتها بما يقارب الثلث، ويقول التقرير: "إن أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم يقطنون في بلدان يتجاوز فيها الاستهلاك قدرات التجدد والتعويض الطبيعية. وهذا ما يعني أنهم "مدينون بيئيون"، وأنهم يقترضون ويتجاوزون الرصيد المسموح به، فيما يتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة والغابات والبحار والموارد الطبيعية الأخرى". ويخلص التقرير إلى أن الاستهلاك المستهتر "للرأسمال الطبيعي"، يهدد مصير العالم ورخاءه، بما يجر ذلك من آثار اقتصادية من بينها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والماء والطاقة.
 ويقول المدير العام لصندوق الطبيعة العالمي جيمس ليب: "إذا ما استمر استنزافنا للكوكب على هذه الوتيرة، فإننا سنحتاج إلى ما يعادل كوكبين بحجم كوكبنا، لمواصلة العيش بالطريقة التي نعيش عليها الآن". وتتربع الولايات المتحدة والصين على رأس البلدان الأكثر استنزافا لموارد الأرض إذ تقدر نسبة أثارهما البيئية بـ 40 في المائة. ويّظهر التقرير أن الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة توجدان على رأس قائمة الدول الأكثر تلويثا من حيث الأشخاص، بينما تقع مالاوي وأفغانستان في ذيل القائمة. ويعادل نصيب بلد واحد متقدم مثل بريطانيا التي تحتل المرتبة الخامسة عشرة من بين البلدان الأكثر تأثيرا بالسلب على البيئة في العالم نصيب 33 بلدا إفريقيا مجتمعة.
 وقالت الأمم المتحدة في تقرير صدر مؤخرا: "إن خطر الكوارث في أنحاء العالم يتزايد بسبب تضافز الاحتباس الحراري وتدهور البيئة وسوء تخطيط المناطق الحضرية". وخلص التقرير إلى أن حياة ملايين الناس أصبحت في خطر بسبب قلة تقييم المخاطر التي تتهدد الناس في أماكن مختلفة من العالم. وركز التقرير على الفروق بين السياسات المتبعة في البلدان الغنية والبلدان الغنية. وفي هذا الصدد، قال التقرير إن رغم أن اليابان والفلبين قد يتعرضان لأعاصير مدارية على نفس الدرجة من الحدة، فإن الحصيلة المتوقعة مختلفة إذ مقابل كل شخص يموت في اليابان سيقتل 17 شخصا في الفليبين. ولاحظ التقرير أن السكان الفقراء في البلدان النامية معرضون أكثر من غيرهم للكوارث بسبب نقص التغطية الصحية. واتهم التقرير المسؤولين المحليين في بلدان العالم النامي بغض الطرف عن المنازل والمدارس والمباني المفتقرة إلى مقومات السلامة. ويرى في هذا الصدد أن الحكومات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تتجاهل الأحياء العشوائية التي تُقام في المناطق المنخضفة أو المناطق المعرضة لانهيارات طينية. ويرى التقرير أن الاحتباس الحراري يزيد من عدد المرات التي تحدث فيها الكوارث الطبيعية، ملاحظا أن الأضرار الناجمة عن التقلبات الجوية تضاعفت مرتين منذ عام 1980. ويذكر أيضا أن عدد الخسائر الناجمة عن الفيضانات والأمطار الغزيرة تتزايد بشكل أسرع من المخاطر الأخرى، حيث تضاعفت الخسائر خمس مرات منذ عام 1990. ويرى أن من الوارد أن يساهم الاحتباس الحراري في زيادة الخسائر الناجمة عن التقلبات الجوية في العالم.
  هذا وقد أقرت الصين مؤخرا بمشاركتها في المسؤلية عن التلوث العالمي وفي أول تقرير عن سياستها حول التغير المناخي، أقرت بكين للمرة الأولى أن الغازات التي تنبعث منها مساوية لتلك التي تنبعث من الولايات المتحدة، إلا أنها أكدت في ذات الوقت أن التحكم في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على أراضيها "أمر صعب"، وحذرت من أن الااحتمالات ضعيفة لحدوث تحسن مبكر في هذا الشأن.
 أما البلد الأكثر تأثيرا في الاحتباس الحراري في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلنت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون في تحول واضح في الموقف الأمريكي مع تولي الإدارة الجديدة في خطاب ألقته في أبريل الماضي أمام منتدى الإقتصادات الكبرى حول الطاقة والمناخ: "إن التغيير المناخي قضية تمس الصحة والأمن والطاقة، لإن أزمة التغيير المناخي قائمة وتتقاطع مع الدبلوماسية والأمن القومي والتنمية. وهي قضية بيئية وقضية صحية وقضية إقتصادية وقضية متصلة بالطاقة وقضية أمنية. وهي تمثل تهديدا عالمي النطاق لكنه تهديد محلي وقومي في أثره... إن ذلك يمكن أن يستولد الصراع والتململ والهجرة القسرية. لهذا فإنه لا توجد مسألة نواجهها اليوم لها تداعيات أبعد مدى أو إمكانات أكبر لتغيير العالم لأجيال المستقبل."
  لقد بدأت القوى المدمرة للبيئة تدرك أخيرا فداحة الوضع الذي قادتنا له سياسات عصر الثورة الصناعية، وفي هذا العام يحتفل العالم باليوم العالمي البيئة تحت شعار "كوكبنا يستغيث بنا، فلنكن أمما متحدة في مكافحة تغير المناخ"، وقد جرت الاحتفالات الدولية الرئيسية بيوم البيئة العالمي 2009 في المكسيك، المكسيك التي تحتل المرتبة الخامسة في العالم من حيث التنوع البيئ والمرتبة الخامسة أيضا من حيث تدمير الغابات، والتي تقوم حكومتها بجهد جبار في زراعة غابات جديدة محل الغابات التي تدمرها يد البشر.
 فهل هناك ما يمكن أن نفعله نحن؟
الدستور 10 يونيو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق