الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

المدافعات عن النقاب... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
المدافعات عن النقاب
عماد أبو غازي
 عندما كتبت عن "القيادة خلف النقاب" مؤيدًا لدعوة على الفيس بوك لمنع المنقبات من قيادة السيارات، كنت أتوقع أن أتلقى ردودًا مضادة للمقال مدافعة عن حق النقاب، وقد تلقيت على بريدي الإلكتروني ردين على المقال، كما دعت لي زميلتي المنقبة الأستاذة سامية ضاحكة بأن أقتنع بالنقاب.
 الردان يدافعان عن حق المرأة في النقاب، والردان من الأستاذة ديدي الهنداوي والأستاذة فاطمة شعيب، وأنشر الردين كما هما من الرسالتين تباعًا.
 تقول الأستاذة ديدي الهنداوي في تعليقها:
سيدي الفاضل
قرأت مقالتك في صحيفة الدستور الأسبوعي العدد الماضي وتعجبت كثيرًا من محتواها، لماذا لم أسمع مثلًا إنكم تجمعون أصواتًا لمنع الشباب المتهور والمسطول من تأجير السيارات وقيادتها بسرعه جنونيه والأمركه بها في وسط الشوارع؟
 لماذا لم تكتب سيادتك في الدستور إنك انضممت لحمله تدين وتتخذ إجراءات ضد المتسببين في الحوادث اليوميه على الطرق وفي القطارات والمواصلات العامة؟
 ثم لماذا هذا العداء الشديد وتلك النظرة الدونية للمنتقبات؟
ألم يكن هناك وقت من الأوقات في ماضي هذا البلد كان البرقع فيه هو الزي الرسمي للمرأة؟ لماذا لم نسمع ممن عاشوا في هذا الزمان إنهم متضايقون وخائفون ومرعوبون من مشي هؤلاء النساء في الشوارع هل قرأت سيادتك مقالة الحجاب للكاتب المرموق مصطفى المنفلوطي؟
لماذا لم يعتبر البرقع مصيبة وأفة من أفات المجتمع كما تعتبرونه أنتم؟
على حد علمي لم يكن المنفلوطي أصوليًا ولا متطرفًا ولا حتى (إخوان مسلمين)!!!!
 ولكنه كان ذكيًا فهم أنه طالما الإنسان محفوظة كرامته، يجد طعام يومه، ومهنة يعيش منها، فماذا سيدفعه إلى أن يتخفى تحت النقاب ليفجر نفسه تحت الكوبري، أو في خان الخليلي، أو غيره، لذلك لم يهاجم النقاب، بل اعتبر أن الحجاب دواء ناجح لمجتمع عفيف وراقي، وليس كمجتمعات البهائم الغربيه.
 
يا دكتور الطبيب الذكي هو الذي يبحث عن جذور المرض لكي يستأصله لا أن يهتم فقط بالأعراض ويداويها بالمسكنات، لأنه إن فعل ذلك فسيهلك مرضاه.
 في البداية أشكر الأستاذة ديدي الهنداوي على أسلوبها الهادئ في الحوار، وأود أن أطمئنها أنني مشترك في ما يقرب من 300 مجموعة و40 قضية على الفيس بوك، ومن بينها بالفعل مجموعة تدعو لضبط الفوضى على الطرق لمواجهة الحوادث التي جعلت من مصر دولة متصدرة في عدد ضحايا حوادث الطرق في العالم.
 وأنا بالتأكيد ضد قيادة السكارى والمساطيل للسيارات، وضد التهور في القيادة والسرعة الجنونية في وسط الشوارع أو على الطرق السفر الرئيسية والفرعية، وأنزعج بشدة من أمركة الشباب بالسيارات في الشوارع، لكن هناك فارق أساسي وجوهري، إن جميع تلك الظواهر السلبية في قيادة السيارات مجرمة قانونًا، وبعضها يؤدي بمرتكبه إلى السجن وفقًا لقانون المرور الجديد، وبالتالي فالدعوة هنا تكون للحزم في تطبيق القانون، لكن لا يوجد نص تشريعي واضح يجرم القيادة خلف النقاب أو بمعنى أدق قيادة النساء المنقبات للسيارات، فأظن أنه لن يسمح لرجل بأن يخفي ملامحه وهو يقود سيارته.
 ورغم أن المفترض ضمنًا في قانون المرور أن يكون قائد السيارة مكشوف الوجه، لكن المنقبات يستثنين من ذلك، ولم نسمع عن ضابط مرور جرؤ على إيقاف منقبة وهي تقود سيارتها ليمنعها من القيادة بهذه الصورة الشاذة، التي أصر على أنها تشكل خطرًا على سلامة الناس، وهذا لا يتنافى بالطبع مع خطر القيادة المسرعة والمستهترة أو تحت تأثير المخدرات والمسكرات، لكن قائد السيارة المخمور أو المسطول أو المتهور مكشوف الوجه، يمكن أثبات الجرم عليه بسهولة أكثر من تلك التي تقود مختفية عن الناس.
 ثم إذا كانت المرأة مقتنعة بأنها عورة وأن عليها أن تخفي وجهها، فلماذا لا تكمل جميلها وتقر في بيتها، وإذا أخذت النقاب من الوهابية المتزمتة فلماذا لا تأخذ من تزمت الوهابيين منع النساء من القيادة؟
 أما "لماذا هذا العداء الشديد وتلك النظرة الدونية للمنقبات؟"
 فأنا أضيق بالنقاب لكني لا أعادي المنقبات، وأخشى من الظاهرة التي تعود بنا سنوات إلى الوراء، والتي أرى فيها تهديدًا لأمن الناس وأمانهم، لا أتصور أنه من حق شخص أيًا كان رجل أو أمرأة أن يسير ملثمًا، ففي هذا تعدي على الآخرين.
 ولا أظن أنني أنظر إلى المنقبات نظرة دونية، بل من تتنقب هي التي تنظر لنفسها نظرة دونية، ولا ترى في نفسها سوى عورة وموضع لإغراء الرجال.
 أما المنفلوطي فقد كان بالطبع محافظًا أصولي الميول، لكن بمفهوم زمنه لا بمفهوم زماننا، وما كتبه كان ردًا على دعاة تحرر المرأة من الحجاب، ومصطلح الحجاب وقتها كان يقصد به النقاب لا غطاء الشعر، كان يرد على قاسم أمين ومن قبله الطهطاوي، وغيرهم، وكانت دعوة هؤلاء تعكس ضيق المجتمع بالمنقبات.
 أما القول بأن البرقع أو النقاب كان الزي الرسمي للمصريات فقول غير صحيح، فغالبية المصريات حتى القرن الماضي كن الفلاحات، والفلاحة لم تعرف النقاب في تاريخها، الفلاحة تخرج إلى الغيط مع زوجها تفلح الأرض وتزرعها مثلها مثله، وهي سافرة كاشفة عن ساعديها.
 والمرأة الشعبية في المدينة كانت مختلطة بالرجال كاشفة عن وجهها، كان البرقع زيًا "رسميًا" للأرستقراطية المصرية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ورثته عن تقاليد الحريم التركي العثماني، ومن قبله الحريم الفارسي، أما الفلاحة المصرية صانعة الحضارة فلم تعرف هذا البرقع أبدًا.
 أخيرا أنا معك في أن العلاج يأتي بستأصل الداء من جذوره، العلاج بالتأكيد في مواجهة أفكار التطرف الديني والمناخ الذي يساعد على استشرائها.
 وللحديث بقية.
 الدستور 1 يوليو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق