الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

الرد على الميثاق... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الرد على الميثاق
عماد أبو غازي
 هل كانت أسباب الفشل التي حددها الميثاق الوطني لثورة 1919 أهدافًا للثورة بالفعل حتى نقول إنها فشلت في تحقيقها؟


 السبب الأول من وجهة نظر الميثاق الوطني يكمن في إن القيادات الثورية أغفلت إغفالًا يكاد أن يكون تامًا مطالب التغيير الاجتماعي.
 لا توجد ثورة في التاريخ تغفل البعد الاجتماعي، فلكل ثورة مطالبها الاجتماعية لكن هذه المطالب تختلف باختلاف طبيعة القيادة الثورية وموقعها الطبقي، الذي تتحدد على أساسه أهداف الثورة، ويبدو أن الميثاق كان يقصد بالبعد الاجتماعي تبني مطالب العمال والفلاحين والطبقات الشعبية في التغيير، ولم تدع قيادة ثورة 1919 في أي لحظة أنها تقود ثورة من أجل التغيير الاجتماعي أو إنها تحرك الجماهير من أجل الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية حتى نقول إنها فشلت بسبب غياب هذا البعد عنها، لقد أعلنت قيادة الثورة أهدافها منذ البداية كثورة وطنية ديمقراطية تسعى لتحقيق الاستقلال والدستور، وبعدها الطبقي كان واضحًا في حدود المطالبة بنصيب أكبر في السوق المحلي على حساب الامتيازات التي يتمتع بها الأجانب، الأمر الذي تحقق جزئيًا وعلى مراحل متوالية طوال الحقبة الليبرالية.
 أما السبب الثاني للفشل ـ وفقا للميثاق ـ فكان غياب البعد العربي، "فالقيادات الثورية فى ذلك الوقت لم تستطع أن تمد بصرها عبر سيناء، وعجزت عن تحديد الشخصية المصرية، ولم تستطع أن تستشف - من خلال التاريخ - أنه ليس هناك صدام على الإطلاق بين الوطنية المصرية وبين القومية العربية".
 لكن هل يمكن أن نأخذ هذا على القيادة الثورية سنة 1919، إن نضال الشعب المصري منذ أواخر القرن الثامن عشر كان نضالًا مصريًا خالصًا، وكان مفهوم النضال القومي لدى المصريين يعني النضال القومي المصري، ولم يكن هناك هدف مشترك يجمع بين نضال الشعب المصري والنضال الوطني في سوريا موطن الدعوة القومية العربية، بل كان هناك عدوًا مختلفًا لسنوات طويلة، فبينما كان المصريون يناضلون ضد الاستعمار الأوروبي المباشر (الإنجليزي) منذ 1882، وضد التدخل الأجنبي عمومًا قبل 1882، كان السوريون يناضلون ضد الاستعمار العثماني الذي ظهرت الحركة القومية العربية في مواجهته، وكانت الحركة العربية تتلقى الدعم من القوى الأوروبية في مواجهة العثمانيين، ولم يبدأ النضال الوطني في دول المشرق العربي ضد الاستعمار الأوروبي (البريطاني والفرنسي) إلا في مطلع العشرينيات بعد انتهاء مؤتمر الصلح وفرض الانتداب على الأملاك العثمانية السابقة في العالم العربي، ولم تكن الرابطة الثقافية بين المتكلمين بالعربية تعني أن هناك أمة عربية واحدة، ومع ذلك لم تغب فكرة التضامن النضالي أبدا عن قادة الحركات الوطنية في مختلف بلدان العالم العربي طوال تلك المرحلة.
 أما السبب الثالث فكان عدم قدرة القيادات الثورية أن تلائم بين أساليب نضالها وبين الأساليب التى واجه الاستعمار بها ثورات الشعوب فى ذلك الوقت.
 والحقيقة أن ثورة 1919 أنتجت أشكالًا نضالية متنوعة ومتعددة ومتغيرة بتغير الظروف طوال الحقبة الليبرالية، وكانت التوكيلات الشعبية للوفد أول هذه الأشكال النضالية وأهمها، لقد كانت التوكيلات وسيلة لحشد الجماهير والدعاية لأهداف الثورة ولتشكيل مجموعات منظمة نشطت لعدة شهور ونجحت في تفجير الثورة والاستمرار بها إلى أن أرغمت السلطات البريطانية على التراجع، كما كانت في نفس الوقت بمثابة عقد وكالة واتفاق بين الشعب وقيادته، تلزم هذه القيادة بعدم الخروج عن حدود الوكالة، وتحدد أهداف النضال وتقييد إمكانيات التنازل، وقد ظهر ذلك جليًا عندما قبل سعد زغلول تشكيل الوزارة بعد الانتخابات البرلمانية التي اكتسحها الوفد عقب صدور دستور 1923، لقد رد سعد على الملك فؤاد في خطاب قبوله تشكيل الوزارة معلنًا أنه يقبل تشكيل الوزارة في حدود الشروط التي تقبلها الأمة.
 وطوال مرحلة الثورة وما أعقبها استخدمت كل الأشكال النضالية وفقًا للظروف، لجأت إلى أشكال الاحتجاج السلمي كجمع التوقيعات على العرائض والخطابات المفتوحة للسلطات وللمجتمع الدولي والإضرابات والاعتصامات والتظاهر السلمي والمقاطعة بما فيها حملات مقاطعة البضائع الأجنبية، كما لجأ الثوار إلى الأشكال العنيفة كقطع السكك الحديدية وخطوط التلغراف والطرق البرية، والأعمال المسلحة المختلفة ضد قوات الاحتلال، ووصل الأمر في نهاية الحقبة الليبرالية إلى إتباع أسلوب الكفاح المسلح المنظم ضد الوجود البريطاني في منطقة القناة، وأبدعت الثورة سنة 1919 وفي ذروة الأحداث شكلًا نضاليًا جديدًا تمثل في إعلان استقلال بعض المدن وإدارتها إدارة ذاتية، وأشهرها جمهورية زفتى.
 كان المصريون يبتكرون الأشكال النضالية الملائمة لكل مرحلة، حقًا لم يحققوا نصرًا بالضربة القاضية لكنهم نجحوا في انتزاع مكاسب تدريجية.
 أما الصراع الحزبي الذي يعتبره الميثاق الوطني "ملهاة تشغل الناس، وتحرق الطاقة الثورية فى هباء لا نتيجة له"، فأمر طبيعي في النظم الديمقراطية وأظن أنه ميزة أساسية من مميزات الحقبة الليبرالية في تاريخنا وليست عيبًا، لقد تشكل الوفد المصري وفي البلاد حزبًا واحدًا متبقيًا من مرحلة ما قبل الثورة أعني الحزب الوطني، وكان الوفد مجمعًا للتيارات السائدة في الساحة السياسية المصرية وقتها، وسرعان بدأت الانقسامات داخل الوفد المصري حول المواقف السياسية، كان الانقسام الأكبر بخروج المجموعة التي شكلت حزب الأحرار الدستوريين، وتوالت الانقسامات داخل الوفد حتى أن معظم الأحزاب المؤثرة خلال الحقبة الليبرالية أو قيادتها على الأقل خرجت من جعبته، ما عدا الحزب الوطني والحزب الديمقراطي الذي تأسس من مجموعة من الشباب انضم أبرزهم إلى حزب الأحرار الدستوريين فيما بعد، ثم الأحزاب العقائدية: الحزب الاشتراكي ثم الحزب الشيوعي وحزب مصر الفتاة المتأثر بالفاشية. أما جماعة الإخوان فقد نشأت في أحضان شركة قناة السويس وسعت لضرب قيم الوطنية المصرية وشق وحدة الأمة مسخرة نفسها كأداة في يد القصر والحكومات المعادية للشعب. إلى أن أتى انقلاب يوليو على كل قيم النضال الديمقراطي في مصر الحديثة مرسخًا الحكم الشمولي مصادرًا الحق في التعددية والتنظيم المستقل، فكان طبيعيًا أن يرى الميثاق في الحزبية شيئًا معيبًا.

الدستور 6 مايو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق