الثلاثاء، 1 مايو 2018

الاستعداد لكوبنهاجن... من قاع المحيط إلى قمة إفرست... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات

الاستعداد لكوبنهاجن... من قاع المحيط إلى قمة إفرست

عماد أبو غازي

 في الفترة ما بين السابع والثامن عشر من ديسمبر الحالي تنعقد في كوبنهاجن قمة لدراسة ظاهرة التغيير المناخي الذي أصبح التهديد الأخطر للحياة البشرية على كوكبنا، يشارك في القمة عشرات من رؤساء الدول والحكومات إلى جانب الخبراء في قضايا المناخ والعلماء من أكثر من مائتي دولة من دول العالم.
 القمة ليست الأول من نوعها التي تناقش خطر التغيرات المناخية وتأثيرها على الحياة البشرية، لكنها الأهم بعد أن سقطت كل أكاذيب وادعاءات أصحاب المصالح في محاولاتهم لنفي تأثير الغازات المنبعثة من الأنشطة البشرية على التغيير المناخي.
 وكان الانتباه إلى تلك المخاطر قد بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي عندما انتبه عدد من علماء البيئة والمناخ في الغرب إلى المخاطر الناجمة عن نواتج عصر الثورة الصناعية، وأخذوا يدقون أجراس الخطر في محاولة لوقف التدهور البيئي، ووضعوا السيناريوهات المختلفة للمستقبل القاتم للبشرية في حالة عدم التدخل بحسم للتقليل من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ومن وقتها والجبهة الأخرى تحاول نفي تلك النظريات البئية، الجبهة الأخرى، جبهة المدافعين عن الصناعات الملوثة للبيئة، والمدافعين عن تدمير الغابات وتغيير خصائص كوكبنا، جبهة تضم شركات صناعية كبرى ودول عظمى في مقدمتها الولايات المتحدة، ودول كانت آخذة في النمو بقوة في مقدمتها الصين، وانضمت إليها دول منتجة للبترول في مقدمتها السعودية. حاولت تلك الجبهة الاستعانة بعلماء يروجون لنظريات مضادة وينفون النظريات التي تحمل الإنسان مسؤلية تدمير بيئة الكوكب، لكن الأيام أثبتت، بعد فوات وقت طويل وثمين، أننا نحن البشر مقدمون على كارثة صنعنها بأيدينا، وأصبح لزاما علينا أن نواجهها؛ فأغلب العلماء الآن يؤكدون أن النشاط البشري يلعب دورا في ظاهرة التغير المناخ، ويحذرون من أن التغير المناخي قد يؤدي لرفع درجة حرارة الأرض بنحو درجتين مما سيكون له آثار كارثية، كغرق مساحات واسعة من السواحل المأهولة وانقراض أنواع عديدة من الكائنات، بالاضافة الى التداعيات السياسية والاجتماعية الخطيرة، وقبل أقل من شهر أعلنت ثلاث مؤسسات علمية بريطانية مرموقة تدرس التغير المناخي في بيان مشترك لها أن التلكوء في التصدي للانبعاثات الغازية سيكون له تداعيات خطيرة؛ حيث قال بيان للجمعية الملكية للمناخ ومكتب الارصاد الجوية ومجلس أبحاث البيئة الطبيعية: "إن نتائج الأبحاث العلمية في مجال التغير المناخي أكثر مداعاة للقلق من أي وقت مضى". كما أوضح البيان: "إن الفيضانات التي شهدتها بريطانيا عام 2007 وموجة الحر التي مرت بها القارة الأوروبية عام 2003، وموجات الجفاف الأخيرة تؤكد على ذلك".  
 وحذرت هذه الجهات من تسارع وتيرة التغير المناخي خلال العقود المقبلة إذا لم يتم الحد من التغير المناخي كما لفت البيان النظر إلى أن هناك أدلة متزايدة على الآثار المدمرة للتغير المناخي "الخطير طويل الأجل غير القابل للإصلاح"، فما زال انبعاث غاز الكربون في تزايد يقابله تراجع الجليد الذي يغطي القطب الشمالي بشدة خلال عامي 2008 و2007، كما كان العقد الماضي الأكثر دفئا خلال القرن ونصف القرن الماضيين، وانتهت المؤسسات الثلاث إلى أن تخفيض الانبعاثات الغازية سيؤدي إلى الحد من شدة التغير المناخي.
 وكانت منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة قد حذرت في بيان لها عام 2007 المجتمع الدولي من مواجهة مزيد من الفيضانات وانحسار الحياة البرية وارتفاع مستوى البحار وموجات الجفاف وتزايد اعداد اللاجئين.
 وعلى الصعيد الشعبي انطلقت اليوم السبت ـ وأنا أكتب هذا المقال ـ تظاهرات عبر المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا مطالبة باتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة قضية التغير المناخي وذلك قبيل انطلاق قمة كوبنهاجن، وطالب المتظاهرون في لندن وبلفاست وغلاسكو ودبلن قادة العالم بالتوصل إلى اتفاق جديد صارم حول الحد من انبعاث الغازات الملوثة للبيئة، ومن المتوقع وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية أن يشارك في ما سمي موجة التظاهر في لندن ناشطون في مجال البيئة ونقابات ومنظمات عمالية ونسوية، تجري المسيرة بالقرب من السفارة الامريكية في لندن وتسير نحو مبنى البرلمان، وفي قاعة ويستمنستر المركزية سيلقي اسقف كانتربري الدكتور روان ويليامز خطابا في السياق ذاته، ويقول بعض الناشطين انهم يخططون لاحقا لاقامة مخيم للعمل ضد التغيير المناخي ولكن لم يعلنوا عن مكان اقامته في العاصمة البريطانية، وينظم تحالف "اوقفوا الفوضى المناخية" الذي يضم منظمات أوكسفام والسلام الاخضر وأصدقاء الأرض تظاهرات في بلفاست وفي جلاسكو ودبلن في جمهورية أيرلندا. وقال مدير الحملة أشوك سينها: "سندعو جوردن براون لأن يدعو خلال قمة كوبنهاجن إلى التزام الدول الغنية بالتقليل من نسبة انبعاث الغازات لديها بنسبة 40% على الأقل خلال السنوات العشرة القادمة والتبرع بالأموال اللازمة لمساعدة الدول الفقيرة، وإن الأمر الملح البدء في عملية إزالة الكاربون من تجهيزات الطاقة لدينا". وأضاف" بقيادة جريئة محليا، يمكن للسيد براون أن يساعد في الحث على تحقيق صفقة عالمية عادلة ومؤثرة في كوبنهاجن".
 ومن المعروف أن الجزر البريطانية سوف تتأثر بشدة بفعل التغيرات المناخية، وسوف تعاني من نقص في المواد الغذائية وارتفاع في أسعارها.
 وفي دولة نيبال التي تقع في قمة العالم اجتمع مجلس الوزراء على قمة إفرست أعلى قمة في العالم، في محاولة للفت الأنظار إلى مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية على منطقة جبال الهمالايا التي تضم منابع عدد من الأنهار التي تغذي شبه القارة الهندية، وكانت حكومة جزر المالديف قد عقدت في أكتوبر الماضي اجتماعا رمزيا تحت سطح المحيط لتنبيه العالم قبل قمة كوبنهاجن إلى المخاطر التي تحيق بجزر المالديف المهددة بالغرق تحت مياه المحيط الهندي.
 وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع التحضير لنشر الأرقام المثيرة للجدل التي استخدمت في تقييم أثر التدخل الإنساني في التسبب في زيادة ارتفاع درجات الحراراة في العالم. فقد سربت مؤخرا على الإنترنت مئات الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين وحدات البحوث المناخية الجامعية، والتي تضمنت ادعاءات بإن بعض العلماء حرفوا استخدام بعض البيانات حول ارتفاع درجة حرارة الأرض لتدعيم حججهم بأنها ناجمة عن عمل الإنسان وليس عن تغيرات مناخية كونية، وهي محاولة أخيرة للتأثير على مسار قمة كوبنهاجن من جانب أعداء البيئة.
 ولهذا حديث آخر.
الدستور 9 ديسمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق