الأربعاء، 16 مايو 2018

من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
المرأة القاضية
عماد أبو غازي
 
 الثلاثاء الماضي طالعتنا الصحف بخبر اجتماع الجمعية العمومية غير العادية لقضاة مجلس الدولة، والقرار الذي اتخذته الجمعية ضد تعيين المرأة بمجلس الدولة، بالمخالفة لقرار المجلس الخاص الذي صدر منذ شهور قليلة.
 من المصادفات إننا في نفس الوقت كنا نحتفل في المجلس الأعلى للثقافة بأول وزيرة مصرية، الدكتورة حكمت أبو زيد عالمة الاجتماع المصرية البارزة والأستاذة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وحكمت أبو زيد قيمة مصرية مهمة، بدأت علاقتها بالعمل العام في ثلاثينيات القرن الماضي وهي طالبة بالمرحلة الثانوية عندما قادت طالبات مدرسة حلوان الثانوية أثناء مظاهرات نوفمبر 1935 التي أطلق عليها المؤرخون اسم ثورة الشباب، والتي انفجرت من أجل المطالبة بعودة دستور 1923 وبالاستقلال التام للبلاد، وقد نجحت الحركة الطلابية في عام 1935 في إعادة الدستور ودفع الأحزاب السياسية لتشكيل جبهة تقود المفاوضات مع بريطانيا، تلك المفاوضات التي انتهت إلى توقيع معاهدة 1936 التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال مصر رغم بقاء قوات بريطانية في البلاد، وكانت هذه المظاهرات مدرسة تخرج منها عدد من قادة العمل العام في مصر في المجال السياسي والنقابي والرياضي في مصر لسنوات، منهم: الساسة والوزراء فيما بعد نور الدين طراف وإبراهيم شكري ومحمد حسن الزيات، ومن النقابيين محمد فريد زعلوك وعبد العزيز الشوربجي، ومن من عملوا في الحقل الرياضي محمود لاشين وأحمد الدمرداش التوني وأحمد طلبة صقر، وممن برزن في الساحة الثقافية والأكاديمية سهير القلماوي، وكان من طلاب المرحلة الثانوية الذين شاركوا في قيادة المظاهرات جمال عبد الناصر وحكمت أبو زيد.
 ومن يومها تواصل دور حكمت أبو زيد في العمل العام إلى أن أصبحت أول مصرية تتولى منصب الوزارة قبل 48 سنة، وعلى وجه التحديد في 29 سبتمبر سنة 1962. وقد قدمت خلال فترة توليها وزارة الشئون الاجتماعية أعمالا مهمة ربما كان من أبرزها مشروع الأسر المنتجة، كما أشرفت على واحدة من أكبر عمليات التهجير في مصر، وهي عملية تهجير أهالي النوبة أثناء مشروع السد العالي.
 بعدها توالى تعيين سيدات في مناصب وزارية، وكانت التالية للدكتورة حكمت أبو زيد مصرية عظيمة أخرى هي الدكتورة عائشة راتب أستاذة القانون بجامعة القاهرة، وقد تولت وزارة الشئون الاجتماعية في الفترة من 11 نوفمبر 1971 إلى 3 فبراير 1977.
 وللدكتورة عائشة راتب قصة ترتبط بموضوع تقليد المرأة منصب القضاء في مصر، وبالتحديد القضاء الإداري، فالدكتورة عائشة راتب تنتمي إلى تلك الأجيال الرائدة من بنات مصر اللاتي نلن حقهن في التعليم الجامعي داخل مصر، وإن كانت لا تنتمي إلى الجيل الأول الذي انتمت إليه سهير القلماوي ونعيمة الأيوبي، أو الجيل حكمت أبو زيد، إلا إنها تنتمي إلى الأجيال الرائدة التي لم تكتفي بالحصول على حقهن في التعليم، بل واصلن الكفاح من أجل أن تنال المرأة المصرية كافة حقوقها، وعندما تخرجت عائشة راتب من كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1949 بتفوق، تقدمت بطلب لشغل وظيفة بمجلس الدولة تؤهلها لأن تكون قاضية ضمن قضاته، وبالرغم من نجاحها في اختبار كشف الهيئة، إلا أن رئيس الوزراء حينذاك رفض طلبها، فما كان منها إلا أن رفعت دعوى قضائية أمام مجلس الدولة مطالبة بحقها، وللأسف رفضت الدعوى على أساس أن تعيين إمرأة في مجلس الدولة أمر مخالف للسياسة العليا للدولة، وإن تقدير مثل هذه الأمور متروك للسلطة التقديرية للحكومة.
 لقد فازت الجامعة بعائشة راتب أستاذة جامعية مرموقة وواحدة من أهم أساتذة القانون في مصر، وفازت بها وزارة الشئون الاجتماعية، في السنوات التي تولت فيها المنصب وسعت خلالها لإدخال تعديلات مهمة على قوانين الأحوال الشخصية في مصر لصالح المرأة ولصالح المجتمع، كما فازت بها الدبلوماسية المصرية عندما أصبحت أول مصرية تعيين كسفيرة، عندما أصبحت سفيرة لمصر في الدانمارك ثم في ألمانيا الاتحادية. وخسرها مجلس الدولة، ويبدو إن مجلس الدولة سيستمر في خسارته للكفاءات بإصراره على حجب المرأة عن مناصب القضاء الإداري.
 لقد خاضت المرأة المصرية طوال القرن الماضي معارك عديدة من أجل الحصول على حقوقها، وهي حقوق ينص عليها الدستور ومواثيق حقوق الإنسان والمنطق والعقل الذي يعلو على كل اللوائح والقوانين، لقد خاضت المرأة جنبا إلى جانب الرجل كل معارك الوطن، خرجت إلى جانبه في المظاهرات واستشهدت برصاص الإنجليز قبل أكثر من تسعين عاما، أسست اتحادها الذي سنحتفل الشهر القادم بالذكرى السابعة والثمانين لتأسيسه، ودخلت الجامعة طالبة ثم أستاذة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وأصبحت نائبة في البرلمان تمارس التشريع منذ أكثر من نصف قرن، ووصلت في المناصب التنفيذية إلى منصب الوزارة، لكن هناك من يضنون عليها بمقعد القضاء ويقفون في مواجهة الدستور والقانون ومبادئ المواطنة وعدم التمييز، فهل يمكن أن ينجحوا؟
الدستور 19 فبراير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق