الخميس، 3 مايو 2018

التعليم والمواطنة... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
التعليم والمواطنة
عماد أبو غازي
 من أين نبدأ مواجهة أفكار التطرف الديني والطائفية والعنف؟
 من أين نبدأ إرساء قيم المواطنة في المجتمع؟
 هناك مداخل متعددة للمواجهة مع التطرف والطائفية والعنف، ومداخل متعددة لنشر ثقافة المواطنة وقيمها في مجتمعنا؛ منها المدخل التشريعي، فلاشك في أن هناك تعديلات تشريعية مطلوبة لإنهاء أوضاع قانونية شائها ومُشّوهة لمجتمعنا، أوضاع قانونية تتعارض مع مبدأ المواطنة الذي أرساه الدستور في تعديلاته الأخيرة كمبدأ يعلو على غيره من المبادئ الدستورية، بل أظن أن الدستور نفسه يحتاج إلى تعديل يستبعد أي مواد تتعارض مع مبدأ المواطنة، كما نحتاج إلى تشريع يجرم ممارسة أي موظف عمومي للتمييز ويقضي بعزله، التمييز بكل معانيه، سواء كان هذا التمييز تميزا دينيا أو تميزا على أساس النوع أو الأصل أو بسبب الإعاقة،  نحتاج لتشريع واضح يحدد معنى التمييز بشكل واضح ويعاقب عليه.
 لكن أي تعديل تشريعي لن يصمد دون مساندة مجتمعية، دون تغيير المناخ السائد الذي يؤدي إلى الاحتقان، دون التصدي للخطاب الديني الطائفي في الجانبين، دون إشاعة ثقافة احترام التعددية والتنوع والاختلاف.
 وهنا لابد أن تتضافر جهود متعددة من أجل الخروج من الحالة التي وصلنا إليها، فجهود المثقفين والمبدعين ومؤسسات العمل الثقافي الرسمية والأهلية ضرورية وأساسية في هذا المجال، كذلك دور المبادرات الجماعية التي تقوم بها مجموعات من النخبة الثقافية والسياسية لتكوين مجموعات لمناهضة التمييز الديني أو للتصدي لمناهضة العنف الطائفي أو للمواطنة، بل ودور كل واحد وواحدة منا في التصدي للسلوكيات التي تهدم المواطنة، التصدي لها بين الأهل والأصدقاء وفي العمل والشارع.
 لكني أعتقد أن هناك بداية لابد منها على طريق اقتلاع جذور الطائفية والتطرف والتمييز.
 أظن أن بداية الطريق تأتي من التعليم، فالتعليم مفتاح التكوين الفكري للمواطن الصغير، وعندما بدأت الدولة القومية الحديثة في العالم كانت المدرسة الآداة الرئيسية لأنتاج أفكار المواطنة وبناء مشاعر الانتماء القومي لدى المواطنيين، فمثلما كان المصنع في ذلك العصر وسيلة الإنتاج الصناعي الكبير المتماثل، أو ما يُسمى "الماس برودكشن"، كانت المدرسة الحديثة وسيلة إنتاج "الماس بردكشن" البشري من خلال مناهج ترسخ قيم المواطنة منذ الطفولة، وما حدث في الشمال والغرب حدث عندنا في مصر مع التجربة التحديثية في القرن التاسع عشر، كانت المدرسة منذ ذلك الوقت وعلى مدى قرن ونصف تقريبا مصدرا لمبادئ المواطنة، ومن هنا كانت شعارات مثل "مصر للمصريين" ثم "الدين لله والوطن للجميع" تلقى تجاوبا واسعا من المصريين، لكن السنوات الأخيرة شهدت مدارس من نوع آخر، مدارس تخرج تلاميذ يكرهون الآخر، تخرج تلاميذ عقولهم تربة خصبة لنمو الطائفية والتمييز، فضلا عن إنهم تلاميذ لا يجيدون القراءة والكتابة ولم يكتسب أغلبهم معارف مناسبة للعصر، هذا إذا أسمينا ما اكتسبوه معارف أصلا، إنها مدارس أصبحت أوكارا للتطرف الديني، يحرم بعض القائمين عليها تحية العلم باعتبار العلم "رجس من عمل الشيطان"، ويستبدلون أناشيد دينية بالنشيد الوطني لمصر، مدارس تفرض بعض القائمات عليها الحجاب على الطالبات بل وتحاولن أحيانا فرضه على المعلمات.
 وعندما أتحدث على التعليم ودوره في إرساء قيم المواطنة والتصدي للطائفية لا أقصد فقط تعديل المحتوى الذي يتلقاه الطلاب من خلال المناهج الدراسية، ولا أقصد فقط الإشراف الدقيق على القائمين بالعملية التعليمية ومواجهة تغلغل جماعات الإسلام السياسي وأتباع الوهابية في المدارس وفي التوجيه، بل بالأساس أن تكون هناك مدرسة من الأصل يتوجه إليها التلاميذ لتلقي المعرفة وينتمون إليها، فنتيجة لتواطئ المدارس وأولياء الأمور، خصوصا في المرحلة الثانوية، انتقل التعليم إلى ما يسميه الطلاب "السناتر" جمع "سنتر" أي مركز، وهي مراكز معلنة للدروس الخصوصية امتدت للأسف إلى الجامعات خصوصا فيما يسمونه كليات القمة، مثل الطب، التي يتوجه طلابها إلى الدروس الخصوصية بدلا من أن يذهبوا لكليتهم.
 البداية إذا أن تكون هناك مدرسة، ثم بعد ذلك أن تقدم هذه المدرسة محتوى تعليمي يكسب الطالب معرفة مناسبة للعصر ويعمل على تنمية ملكاته النقدية، ومن خلال ذلك يرسخ لديه منذ الصغر قيم المواطنة، أي الانتماء إلى مصر الوطن الذي يجمعنا كلنا باختلاف أدياننا وعقائدنا وأفكارنا وأصولنا، ينمي لديه قبول الآخر المختلف عنه، محتوى تعليمي يدرك من خلاله أن التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الأصل أو اللون جريمة في حق الوطن وفي حق إنسانية الإنسان.
 إنه أفكار لا يمكن أن تتحقق دون مساندة الرأي العام والجماعة الثقافية للوزير المسئول عن التعليم في مواجهته مع الأصولية.
الدستور 22 يناير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق