الخميس، 3 مايو 2018

القطار 913... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
القطار 913

عماد أبو غازي

 كنت دائما أعشق السفر في القطارات واستمتع بالرحلة فيها، ففي القطار تستطيع أن تقرأ وتكتب وتأكل وتشرب أثناء الرحلة، في الأشهر الأخيرة بدأت أفضل السفر بالسيارة بعد تكرار المعاناة من تأخر القطارات عن مواعيدها، ومن كثرة أعطال التكييف بها، الجمعة الماضية توجهت إلى الإسكندرية بصحبة الصديقين حلمي النمنم وخالد عبد الجليل لنحضر افتتاح مؤتمر أدباء مصر الذي تنظمه هيئة قصور الثقافة تلبية لدعوة من الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة، وهي المرة الأولى التي أحضر فيها هذا المؤتمر الذي اختتم أمس دورته الرابعة بعد العشرين، والذي كان يعرف من قبل باسم مؤتمر أدباء الأقاليم.
 تأخرنا في حجز القطار فاقترحت على رفيقي في الرحلة أن نسافر بالسيارة، لنكون أكثر حرية في الحركة، لكن حلمي أقنعني بأن السفر بالقطار أفضل مستندا إلى نفس قناعاتي القديمة في هذا الأمر، وأكد لي إننا في يوم جمعة في الشتاء ولو توجهنا إلى محطة مصر مبكرين قليلا سوف نجد أماكن في القطار بسهولة بالغة، للأسف اقتنعت.
 بالفعل توجهت إلى المحطة في الحادية عشر ظهرا قبل موعد القطار بساعة، لم  يكن هناك أحد أمام شباك التذاكر، حصلت على التذاكر للذهاب والعودة في دقيقة ونصف فقط، وكانت التذاكر الثلاثة متجاورة كما طلبتها، إلتقينا في كافيتريا المحطة، وعندما اقترب موعد القطار توجهنا إليه، وركبنا في العربة رقم 2 من عربات الدرجة الأولى، بمجرد أن وصلنا إلى مقاعدنا في مقدمة العربة، بدأت ملامح المأساة تتضح، أكرة الباب لا تعمل وعلينا أن نعيد إغلاقها كل مرة عقب مرور أحد من الركاب أو العاملين في القطار منها، الصاج في مقدمة العربة مخلوع من مكانه، والعربة "مفوته" على دورة المياه، الرائحة لا تحتمل، كأننا نجلس في دورة مياه غير نظيفة لا في عربة قطار درجة أولى مكيفة.
 جاء رئيس القطار لمراجعة التذاكر، بدأت الشكاوى من الركاب، عندما وصل إلينا وثلاثتنا أكثر المتضررين من الوضع باعتبارنا في مقدمة العربة أمام اللوح المخلوع، دخلنا في مناقشة طويلة معه، فأكد لنا أن القطار جاء من المخزن لتوه بهذه الحالة، وإنه سيكتب ملاحظة بذلك لإصلاح العيب بعد انتهاء الرحلة، قد يفعل وقد لا يفعل، لكن المؤكد أن هذا العيب كان قد مضى عليه عدة أيام أو ربما أسابيع، فالفتحة الموجودة تحولت إلى مقلب للقمامة، بها فوارغ علب عصير وبقايا طعام ومناديل ورق مستعمله وغير ذلك من مخلفات الرحلات السابقة، ويبدو عليها من حالاتها مدى قدمها.
 من حسن حظنا أن القطار كانت به أماكن خالية كثيرة فانتقلنا بعيدا عن مقلب القمامة، خفف هذا من الروائح القبيحة قليلا، لكن العربة كلها مليئة بقشر اللب، ما كان سابقا طفيات للسجائر في الكراسي عندما كان التدخين مسموحا به أمتلاء بالزبالة فلا أحد يهتم بتفريغ ما فيه من مخلفات بعد نهاية كل رحلة، وليس هناك من يفتش أو يتابع، فوق هذا أو نتيجة لهذا كله كانت هناك كميات غير عادية من الذباب تحوم في أرجاء العربة، ربما لو قصدت هيئة السكك الحديدية تربية الذباب لما تمكنت من جمع مثل هذه الكميات، نجح حلمي في حبس حوالي ثلاثين ذبابة بين الشباك والستارة فخفف عنا بعض المعاناة.
 لكن إحقاقا للحق لم يكن هذا حال كل عربات القطار، فالعربات الأخرى بحالة جيدة من حيث النظافة، لكن تكيفها لا يعمل بالكفاءة المناسبة، أو لا يعمل إطلاقا، يبدو أن الهيئة قررت أن توزع العذاب على الركاب بالتساوي.
 كأن هذا كله لا يكفي، فعندما تجاوزنا طنطا بدأ القطار يبطأ السير، ثم يتوقف تماما، ثم يعود للسير ببطء، وصلنا متأخرين عن موعدنا حوالي 35 دقيقة.
 حضرنا جلسات افتتاح المؤتمر بقصر الإبداع فخففت عنا الجلسة الافتتاحية وما دار بها من مناقشات حية بين المشاركين في المؤتمر ووزير الثقافة من عذاب رحلة الذهاب في القطار، كان افتتاحا ناجحا وحوار مفيدا، استمرت مراسم الافتتاح وما أعقبها من حوار أكثر من ساعتين ونصف.
 خرجنا بعد الجلسة من قصر الإبداع بوسط المدينة مسرعين لنلحق بقطار الثامنة، كان القطار نظيفا ومريحا والتكييف منتظم، وطقم الخدمة ودود، لكن عربات المشروبات والمأكولات أكل عليها الدهر وشرب.
 كان القطار من النوع الأسباني الذي يتجه مباشرة من الإسكندرية إلى القاهرة، لا يتوقف في أية محطات بين المدينتين، لكنه يتوقف كثيرا في غير المحطات، في وسط الطريق في أي مكان، وصلنا متأخرين عن موعدنا ساعة كاملة، لا توجد مشكلة، فوقت الناس لا قيمة له عند هيئة السكك الحديدية، بل حياتهم أصلا لا قيمة لها، ويبدو أني طماع ولا أحمد ربنا، فقد وصلنا دون حوادث أو حرائق أو انقلاب للقطارات، "أكتر من كده طمع".
 أخيرا إذا كان هناك من يهمه الأمر ولا أظن أن هناك من يهمه الأمر، رحلة الذهاب كانت في القطار رقم 913 المتجه إلى الإسكندرية العربة رقم 2 المقاعد 41 و42 و43، الثانية عشرة من ظهر الجمعة 18 ديسمبر 2009.
الدستور 25 ديسمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق