الأربعاء، 16 مايو 2018

تحية لوزير التربية والتعليم... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
تحية لوزير التربية والتعليم
عماد أبو غازي
 في الأسبوع الماضي في سياق مناقشة علاقة التعليم بالمواطنة تعرضت لما حدث في امتحان مادة التربية الفنية بالمرحلة الإعدادية بمحافظة البحيرة، عندما طلب الممتحن من التلاميذ موضوعا في الرسم عن شعائر الحج إلى بيت الله الحرام، وفي الزخرفة حول استخدام الآيات القرآنية في عمل شكل زخرفي، ضاربا عرض الحائط بكل قيم المواطنة ومعانيها، ومتعديا على حقوق الطلاب غير المسلمين في امتحان عادل يمكنهم الإجابة عليه، فلا يفترض أن يستطيع الطفل غير المسلم أن يعبر عن شعائر الحج ولا أن يحفظ آيات القرآن الكريم، وكنت قد قرأت الخبر في "اليوم السابع" وأشارت إليه بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.
 اليوم وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني تحمل خبرا يؤكد أن الأستاذ الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم قد وقع عقوبات مشددة على القائمين على وضع هذا الامتحان، تتضمن حرمانهم من المشاركة في أعمال الامتحانات، كما أصدر تعليماته بأن لا يضار طالب مسيحي بسبب عدم قدرته على الإجابة على هذا الامتحان، الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه امتحان ظالم ومتحيز ومسيء، وفي الحقيقة يستحق وزير التربية والتعليم كل التحية والتقدير على هذا الموقف الحازم والحاسم والسريع، وقد يكون هذا الاهتمام من الوزير مؤشرا ينبئ بأسلوب الرجل في التعامل مع المشكلات، إنه مؤشر يدعو للتفاؤل والارتياح، ويبشر باحتمالات إيجابية في التعامل مع قضايا التعليم، وفي مقدمتها دور التعليم في ترسيخ قيم المواطنة.
 وفي الحقيقة لم استغرب من هذا القرار من رجل مثل وزير التربية والتعليم الجديد، فما قام به عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس من تصحيح لأوضاع فاسدة كانت تسمح باستمرار المعيدين والمدرسين المساعدين لسنوات عديدة دون إنهاء رسائلهم متجاوزين بذلك كل اللوائح والقوانين في ظل تواطأ غير مفهوم من مجالس الأقسام يؤكد أننا أمام وزير لن يتهاون في خرق القوانين، ما بالنا إذا كان الخرق خرقا لقيم المواطنة.
 وأظن أن ما حدث مع من ارتكبوا هذا الخطأ الذي يرقى إلى مستوى الخطيئة ليس المؤشر الإيجابي الوحيد فيما اتخذه الوزير أحمد زكي بدر من قرارات في الفترة الأخيرة يستحق التحية عليها، فما نشرته الصحف عن قراره بضرورة الالتزام بطابور الصباح وتحية العلم في المدارس أيضا يحمل رسائل لافته للنظر، فاحترام طابور الصباح يعيد للمدرسة قدرا من مكانتها وهيبتها المفقودة، حتى ولو كان أمر شكليا، لكنه مهمة في علاقة التلاميذ الصغار بالمدرسة، كما أن تحية العلم، سلوك يساعد ـ مع أشياء أخرى ـ على ترسيخ قيمة المواطنة بين الأجيال الجديدة، فالعلم ليس مجرد قطعة من القماش الملون، إنه رمز للدولة والوطن، العلم يجمعنا ويوحدنا حوله، وقد حاولت جماعات التطرف الديني التي اخترقت المنظومة التعليمية تدريجيا حتى عششت في أركانها وسيطرت عليها أن تلغي هذا التقليد الذي يرقى إلى درجة الطقوس من كثير من المدارس، لقد كانت تحية العلم مع إنشاد الطلاب للنشيد الوطني طقسا أساسيا في المدارس الحديثة في مصر على مدى عقود، يتغير لون العلم ورسمه، يتغير النشيد الوطني لحنا وكلمات، لكن العلم والنشيد بقيا دوما رمزا للدولة المدنية للوطن للأمة المصرية الموحدة.
 ومصر عرفت الشعارات والرايات منذ أقدم عصور حضارتها، لكن العلم أخذ بعدا جديدا مع بدايات تأسيس الدولة الحديثة في عصر محمد علي باشا عندما ميز العلم المصري عن العلم العثماني، وعندما أصبح للفرق العسكرية راياتها، وللعلم الذي يحمله الجنود في المعارك قسمه ونشيده.
 كان العلم في مصر الحديثة دائما رمزا لمعارك الأمة من أجل استقلالها وتطورها، وكانت تحية العلم صباح كل يوم في مدارس مصر وإنشاد النشيد الوطني المصري تشكل جزءا من الطقوس الشكلية المهمة التي تنمي معاني الانتماء لدى الصغار، وعندما سعى من اخترقوا منظومة التعليم من المتطرفين دينيا إلى إلغاء هذه الطقوس بدعوى وثنيتها ـ متناسين أن الدولة الإسلامية في عصر النبوة كان لها رايتها التي يستشهد المقاتلون دفاعا عنها ـ كانوا يهدمون بوعي وتخطيط خبيث أسس الدولة المدنية الحديثة في مصر، وعندما استبدلوا الأناشيد الدينية في طابور الصباح بالنشيد الوطني المصري كانوا ينخرون في وحدة الأمة ويسعون لشقها.
 لقد اتخذ الوزير الجديد خطوة مهمة تأخرت كثيرا، وأظن أنه سوف يتلوها بخطوات تعيد للتعليم دورها في بناء المواطنة، نتمنى أن تطال محتوى المناهج التعليمية وأساليب التعليم.
 تحية لوزير التربية والتعليم الذي يحتاج في مهمته الصعبة إلى دعم ومساندة كل من يتطلعون إلى مستقبل أفضل لهذا الوطن.
الدستور 12 فبراير 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق