الأربعاء، 23 مايو 2018

يوميات محجوز بعيدا عن الوطن... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
يوميات محجوز بعيدا عن الوطن
عماد أبو غازي
 الأسبوع الماضي كانت على موعد مع رحلتين خارجيتين متتابعتين، الرحلة الأولى إلى المملكة المتحدة بدعوة من جامعة كينجستون لحضور مؤتمر علمي حول المرأة العربية المبدعة، والدعوة الثانية إلى بيروت للمشاركة في المؤتمر الأول للسياسات الثقافية في الوطن العربي الذي تنظمه مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، بين المؤتمرين كان ينبغي أن أمر بالقاهرة لساعات لبعض مواعيد العمل ولإلقاء محاضرتي لطلابي بجامعة القاهرة، ثم الانطلاق إلى المطار مرة أخرى في الطريق إلى بيروت، أنا استمتع بالسفر للخارج بعد سنوات من الحرمان بسبب رهاب ركوب الطائرات الذي شفيت منه وأنا في سن التاسعة والأربعين، لذلك أحاول ألا أضيع أي فرصة للسفر لتعويض ما فات فيما تبقى من العمر، المشكلة أنني أمام رحلتين قصيرتين مليئتين بالعمل بعد أسبوعين حافلين بالعمل شهدا ثلاثة مؤتمرات دولية متوالية في المجلس الأعلى للثقافة، منذ يوم 28 مارس حتى 9 إبريل، وأيام من العمل المتواصل من الثامنة صباحًا حتى منتصف الليل، مع ذلك قبلت المشاركة في المؤتمرين وأعددت أوراقي.
 يوم الأربعاء الماضي توجهت إلى المملكة المتحدة للمرة الأولى في حياتي، طائرة الخطوط الجوية البريطانية تغادر في السابعة والنصف صباحًا، علي إذًا أن أكون في المطار في الخامسة، ذهبت في الموعد وتناولت إفطاري بمطار القاهرة، ألتقيت في بوابة المغادرة بالمخرجة المصرية هالة جلال المدعوة للمؤتمر هي الأخرى.

 كانت الرحلة مريحة وصلنا إلى مطار هيثرو لم نجد سائق التاكسي في انتظارنا كما أخبرنا المنظمين للمؤتمر، اتصلت هالة بالدكتورة نهى مولر الأستاذة بجامعة كينجستون ومنظمة المؤتمر، وهي مصرية الأصل، أبلغتنا أن السيارة تلتقط زائرة أخرى من لبنان من صالة أخرى في المطار وستكون عندنا في خلال دقائق، وبالفعل قبل أن ننتهي من شرب قهوتنا، كان السيد توني سائق التاكسي يبحث عنا، نقلنا التاكسي ومعنا المخرجة اللبنانية الشابة كورين شاوي إلى فندق أنتونيت بكينجستون حيث نقيم، في الطريق مررنا بقصر أثري يرجع لهنري الثامن كما شرح لنا سائقنا، كما مررنا على نهر التيمز، إنه نهر كبير يشبه نهر النيل في حجمه، على ضفة النهر عشرات من العوامات المسكونة، تذكرني بعوامات القاهرة التي انقرضت تقريبا ولم يتبق منها إلا آحاد قليلة في منطقة الكيت كات، أذكر في طفولتي في الخمسينيات من القرن الماضي عشرات العوامات على شاطئ النيل من كوبري عباس إلى كوبري إمبابة، ظلت تنقرض وترحل إلى الشمال لتنحصر في هذا العدد القليل الذي تبقى منها، لماذا أزلناها؟ لا أعرف، هل لنحول شواطئ النيل إلى نوادي خاصة للنقابات والهيئات المختلفة؟ ربما! هذا ما فكرت فيه عندما شاهدت عوامات نهر التيمز.






 بعد وصولنا بساعة غادرنا ضاحية كينجستون الهادئة إلى لندن بالقطار، فالمؤتمر لن يبدأ إلا صباح الخميس، وقد لا تأتي فرصة أخرى لزيارة المدينة لأن المؤتمر سيتواصل على مدى يومي الخميس والجمعة، وسنغادر لندن بعد ظهر السبت، هذا ما كنا نتصوره وقتها!
 أخذنا خريطة لمنطقة كينجستون من موظفة الاستقبال في الفندق، وشرحت لنا الطريق إلى محطة ساربتون للقطارات، وهي الأقرب إلى الفندق وخطوطها الأسرع في الوصول إلى لندن.
 ذهبنا إلى المحطة، هالة وأنا، أول انطباع تطرق إلى ذهني عندما شاهدت محطة ساربتون، إنها المرة الأولى التي أدرك فيها أن مصر كانت مستعمرة بريطانية، وتأكد الشعور بقوة عندما وصلنا إلى لندن، ونزلنا في محطة وترلو، طراز محطة ساربتون من الخارج نفس طراز محطة سيدي جابر، ربما مبنى محطة سيدي جابر بلونه الحجري الأحمر أجمل من مبنى محطة ساربتون الأبيض، بطول الخط تشعر بتأثير قوي لتصميم محطات القطارات في إنجلترا على محطات القطارات القديمة في مصر كلها. تذكرنا محطة باب اللوق ومحطة مترو المعادي القديمة التي هدمت بلا مبرر مفهوم بعد تشغيل مترو الأنفاق بشهور قليلة لتحل محلها مباني قبيحة لا طابع لها.



 أخذنا نتجول في منطقة ويستمنيستر بمبانيها التاريخية وجسورها المتميزة وحدائقها التي تشغل التماثيل حيزًا واضحًا فيها، أدركت لأول مرة أيضًا معنى القوة الاستعمارية الكبرى التي كانتها بريطانيا في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، زرنا الأكواريوم، متحف الأحياء المائية، وتحسرنا على ما آلت إليه أحوال حديقة الأسماك لدينا.



 عدنا في المساء إلى كينجستون، فقدت الطريق في حالة نادرة من حالات فقدان الاتجاه عندي، فإحساسي بجغرافيا المكان عالي، لكن الشوارع متشابها والعلامات التي وضعتها موظفة الاستقبال على الخريطة كانت بمظهر فسفوري أصفر اختفى تمامًا في الإضاءة الليلية للشوارع، لم نضل الطريق طويلًا ووصلنا بعد سؤال بعض المارة.
 عدنا لنستعد لليوم الأول من أيام المؤتمر.
الدستور 21 أبريل 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق