السبت، 28 أكتوبر 2017

امسك فاطر...من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
امسك فاطر...
عماد أبو غازي
 من الواضح أن الاختراق الوهابي في المجتمع المصري يتسع يوما بعد يوم، ويمتد إلى أجهزة مهمة وحساسة في الدولة، فبعد أن أعلن الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف النية المبيتة لإلغاء الموالد في مصر نهائيا، واعتبر أن أنفلوانزا (إتش وان إن وان) مناسبة ملائمة للبدء في تنفيذ هذه النية، توالت في الأسبوع الماضي أنباء الحملات التي تقوم بها جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في محافظة أسوان وفي بعض المحافظات الأخرى لملاحقة من تعتقد أنهم مفطرين مرتدية ملابس الشرطة المصرية، ومتسترة بستارها، وكان من الممكن تصور أن الأمر تجاوز من ضابط هنا أو ضابط هناك تصور أن من حقه أن يحاسب الناس على صيامهم وإفطارهم، لكن تصريحات نسبت لمسؤلين في وزارة الداخلية دافعت عن هذا السلوك تؤكد أن الأمر أكبر بكثير من أن تكون مواقف اتخذها بعض رجال الشرطة من تلقاء أنفسهم، أو على الأقل إنها حتى لو كانت كذلك فإن وزارة الداخلية سوف تتغاضى عن تصرفهم ولن تحاسبهم عليه، بل هي تبرره وتدافع عنه.
  وبعيدا عن المبررات العملية التي يمكن أن يسوقها المعترضون على سلوك رجال الشرطة الذين قاموا بملاحقة المفطرين، مثل أن يكون بعض من هؤلاء المفطرين مرضى مضطرون لتناول الطعام أو الشراب أو الدواء، أو يكون بعضهم مفطرون لأنهم على سفر، أو يكونوا غير مفطرين من الأساس لكنهم يشترون احتياجات ما بعد الإفطار مثلما حدث مع بعض من قبض عليهم في أسوان، أو أن يكونوا غير مسلمين أصلا، وبعيدا عما يقال حول التأثير السلبي لهذا السلوك على السياحة، أو تضرر بعض الأجانب منه مثلما أشارت تقارير صحفية من بعض الموانئ المصرية، فإن الموضوع على بعضه يشكل اعتداء على الحرية الشخصية التي هي مصونة بحكم الدستور والمواثيق الدولية.
 إن العقيدة الدينية أمر يخص الإنسان وحده، إنها علاقة بين الإنسان وربه، والممارسات والطقوس الدينية كذلك تدخل في نطاق هذه العلاقة التي ليس من حق أحد أن يتدخل فيها، ولا من حق المجتمع أن يراقبها طالما لا تضر الآخرين ولا تشكل إعتداء على حرية الغير، فلا يحق لإنسان أن يسأل إنسان عن صلاته وصيامه وحجه، وعن مدى صحة عقيدته الدينية وسلامتها، إنها أمور يحاسبنا عليها الله سبحانه وتعالى وحده، إنها جزء من المجال الخاص، لا ينبغي أن تنتقل إلى المجال العام.
 أعرف أن الكثيرين يرون أن المشكلة هنا ليست في عدم الصيام أو الإفطار إنما فيما نسميه الجهر بالإفطار، لكن الجهر بالإفطار نفسه جزء من الحرية الشخصية للإنسان التي يحاسبنا الله عليها، وإذا كان الإنسان لا يمارس الفريضة الدينية فهل مطلوب منه أن يدعي غير ذلك نفاقا للمجتمع؟ إن الفروض والعبادات لله تعالى وليست للناس، والمفطر إن ضر فإنما يضر نفسه ولا يضر غيره بإفطاره، لكننا أصبحنا نعيش في مجتمع تحكمه المظاهر لا نهتم فيه بجوهر الأمور لكن بشكلها الخارجي فقط، وجزء من هذا الشكل الخارجي إدعاء الإنسان ما ليس فيه، إخفاء سلوكه الحقيقي وراء مظاهر وأقنعة غير الحقيقة، في ظل انتشار الحجاب والنقاب وإطالة اللحى وظهور الزبيبة على جباه الرجال وتقصيرهم الجلاليب والبنطلونات وتركهم العمل ومصالح الناس لأداء الصلاة، في ظل كل هذه المظاهر الشكلية للتدين، ينتشر الفساد في الجهاز الإداري للدولة، ويقوم الموظف من على السجادة ليتلقى الرشوة أو يمارس السرقة والاختلاس من المال العام ببال هادئ، وتزداد حالات التحرش الجنسي والاغتصاب، ويتحول العنف الأسري والسلوك العنيف في الشارع إلى ظاهرة، عندما كان الناس من ثلاثين وأربعين سنة وأكتر لا يتركون عملهم للصلاة ولا يهتمون بالزبيبة وإطالة اللحية وتقصير البنطلون ولا يرتدين الحجاب والنقاب، كان الفساد أقل والتحرش الجنسي أقل والعنف أقل، ألا يلفت هذا النظر للتأمل، إن تدينا تدين شكلي ومظهري لا يؤثر على سلوكنا ومعاملاتنا، إن أصبح أقرب للنفاق الاجتماعي، أليس حدث في أسوان وغيرها هو نوع من هذا النفاق الاجتماعي.
  أما الحديث عن مراعاة مشاعر الصائمين فحديث لا معنى له، وإن دل على شيئ فإنما يدل على ضعف إرادة الصائم، فإذا كان في رؤية من يتناول الطعام والشراب ما يجرح مشاعري وأنا صائم فهذه مشكلتي وليست مشكلة المجاهر بإفطاره، ثم لماذا لا نمنع الجهر بالإفطار أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع حيث يصوم الكثير من المسلمين؟ أم أن مشاعر الصائمين لا تتأذى إلا في رمضان؟ ولو تكلمنا في موضوع المشاعر، فلماذا لا نغلق محلات اللحوم ويمتنع من يأكلونها عن أكلها خلال الصيام الكبير وصيام السيدة العذراء حتى لا نجرح مشاعر المسيحيين الذين يصمون عن كل ما فيه روح؟
 إن صيحة الشرطة في رمضان امسك فاطر تعود بنا إلى أجواء المنافسة غير الحميدة بين الحكومة وجماعات الإسلام السياسي من منهم يمثل الإسلام أكثر من الآخر وكله على حساب الشعب وحرياته، وعلى حساب إرساء أسس دولة مدنية حديثة تفصل الدين عن السياسية تعمل في إطار شعار "الدين لله والوطن للجميع".

الدستور 9 سبتمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق