الجمعة، 20 أكتوبر 2017

دفاعا عن موالدنا... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
دفاعا عن موالدنا
عماد أبو غازي


  في هوجة المواجهة الحكومية لأنفلونزا إن إتش وان اتخذت الحكومة قرارا بإلغاء الاحتفالات بالموالد هذا العام، وقد أثار القرار انتقادات واسعة بين أتباع الطرق الصوفية ومرتادي الموالد، كما أثار أسئلة منطقية عديدة، مثل: لماذا تلغى الموالد ولا تلغى عمرة رمضان تماما رغم أن السعودية المصدر الأول لأنفلونزا إن إتش وان إلى مصر؟ ولماذا ألغيت الموالد بينما لم تلغ تجمعات جماهيرية أخرى مثل العروض السينمائية والمباريات الرياضية رغم أن الأخيرة كانت سببا في أكبر حالة عدوى جماعية ظهرت في مصر إلى الآن؟ ولماذا لا تؤجل الدراسة في المدارس والجامعات؟ وبالمقابل يتسأل المتسألون لماذا لم تتوقف الأنشطة الاجتماعية والفنية والرياضية في مختلف دول العالم ومنها دول فاقت عدد الإصابات فيها مصر بكثير؟ وهل كانت هناك بالفعل ضرورة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
 وبغض النظر عن مدى صحة القرار من عدمه، أو عن جدواه ومنطقيته، فإن الحكومة لم تنجح في تطبيق القرار تطبيقا كاملا، ففي ميت دمسيس أقيم مولد ماري جرجس كما هي العادة، وفي محافظة كفر الشيخ أعلن المحافظ ـ ومعه الحق فيما أعلنه ـ أن مولد سيدي إبراهيم الدسوقي سيقام في دسوق في موعده لأنه مناسبة اقتصادية اجتماعية مهمة.
 لقد اُتخذ القرار، ومُنع الناس من فرحتهم بمولد السيدة زينب، لكن اللافت للنظر والخطير في الأمر تصريح نُسب للدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف قال فيه: إن أنفلونزا الخنازير كانت مناسبة لإلغاء الموالد هذا العام تمهيدا لمنعها نهائيا، إذن أعلنت وزارة الأوقاف رسميا وعلى لسان وزيرها الحرب على الموالد، والأنفلونزا مجرد حجة، مثلما حدث مع الخنازير عند بداية ظهور الوباء، حيث أعلن مسؤل رسمي أن الأنفلونزا كانت فرصة لتنفيذ قرار مبيت لدى الحكومة بالتخلص من الخنازير في بر مصر، وإذا كانت مذبحة الخنازير قد مرت فلا ينبغي أن تمر تصريحات وزير الأوقاف دون مراجعة، خاصة أن السنوات الماضية شهدت أكثر من مرة ممارسات متعددة للتضييق على المحتفلين بالموالد الأمر الذي ينبأ بنية مبيته للقضاء على طقس من الطقوس الاحتفالية الشعبية في مصر، ويكشف عن اختراق وهابي إخواني للحكومة المصرية، والغريب أن يصل الاختراق إلى وزارة الأوقاف التي يتولاها عالم وأكاديمي يرى فيه الناس نموذجا لمفكر مستنير، وإذا كانت الحكومة تسعى بجدية لمحاربة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين فلتدعم الطرق الصوفية أو على الأقل لتتركها في حالها تنمو بفكرها المتسامح وطقوسها المحببة لقلوب الناس.
 إن الموالد تحارب دائما من اتجاهين رغم أنهما يقفان غالبا على طرفي نقيض إلا أنهما يجتمعان على العداء لهذا الطقس الاحتفالي الشعبي الجميل، الاتجاه السلفي بتنويعاته الذي يرى في الموالد بدعة ينبغي أن تحارب، وقطاعات من المثقفين الذين يتعالون على هذه الاحتفالات ويصفونها بالتخلف لأنهم منعزلون عن روح الشعب وثقافته الحقيقية.
 والموالد من أهم الاحتفالات الشعبية ذات الطابع الديني في مصر، فهي تراث مصري أصيل، ومكون مهم من مكونات ثقافتنا الشعبية المصرية، ولا تخص الموالد أتباع دين من الأديان وحده، بل نحتفل بها جميعا، مسيحيون ومسلمون، فالمسيحيون المصريون يحتفلون بمولد السيدة العذراء ومولد ماري جرجس وموالد قديسين عديدين بنفس الطقوس التي تصاحب احتفالات المسلمين المصريين بموالد آل البيت وفي مقدمتها احتفالهم بمولد السيدة زينب وسيدنا الحسين، واحتفالهم بموالد أولياء الله الصالحين بطول البلاد وعرضها، هذا بالطبع بالإضافة إلى الاحتفالين الكبيرين بالمولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد. ولا يقتصر الأمر على التشابه في مظاهر الاحتفال بل نجد أن المصريين يتشاركون في احتفالاتهم بالموالد مع اختلاف أديانهم.
 ولا تكاد تخلو قرية أو مدينة مصرية من مقام أو ضريح أو مزار لولي مسلم أو لقديس مسيحي، بل إننا نجد في بعض المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية مقاما لولي من الأولياء في كل حي من الأحياء القديمة بالمدينة.
 وتختلف أهمية الموالد في مصر وتتفاوت في حجم المترددين عليها تفاوتا كبيرا، فهناك ما يمكن أن نسميه موالد "قومية" يفد إليها الناس من كل صوب من مصر، مثل موالد سيدنا الحسين والسيدة زينب بالقاهرة والسيد البدوي بطنطا والسيدة العذراء بدرنكة بأسيوط وماري جرجس بميت دمسيس، وهناك موالد أصغر يفد إليها أهالي المحافظة أساسا وربما بعض الوافدين من خارجها، وهناك موالد صغيرة قاصرة على حي من الأحياء أو قرية من القرى، مثل مولد السيدة عائشة في حي الخليفة بالقاهرة، وهذا المولد من الموالد المتميزة، له سمات خاصة فالاحتفال الأساسي الذي يقع يبدأ عصر يوم 15 شعبان من كل عام يبدأ في شكل كرنفال فني يسير من ميدان القلعة إلى ميدان السيدة عائشة، وأتذكر كذلك من أيام طفولتي مولد سيدي الأبريقي بحي منيل الروضة الذي كان يقتصر على سكان الحي، وكانت الاستعدادات تبدأ لتنظيمه قبل موعده بأيام حيث يطوف المنظمون على أهالي منيل الروضة في بيوتهم لجمع تبرعات هي ملاليم أو قروش قليلة للمساهمة في الصرف على موكب الاحتفال بالليلة الكبيرة للمولد والتي كانت تسمى البندير.
  إن الحفاظ على الموالد جزء من الحفاظ على الهوية الثقافية للمصريين، ومن يحاربها يرتكب جريمة تدمير جزء من التراث الإنساني.

الدستور 2 سبتمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق