السبت، 14 أكتوبر 2017

الحالة اليابانية... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الحالة اليابانية
عماد أبو غازي
 القديم إلى جوار الحديث يتعايش معه جنبًا إلى جنب، بهذه العبارة يمكن أن نلخص الحالة اليابانية، فهناك التقاليد لا تقف عائقًا في طريق التطور ولا تصادر المستقبل لصالح الماضي، انتقل اليابانيون إلى عصر الحداثة وما بعدها وفي نفس الوقت لم يتخلوا عن تراثهم، يستدعونه بقدر الحاجة، ويظهر في حياتهم بلا تزيد ولا مزايدة.


 



 تتفاوت حالة التداخل بين القديم والحديث من مدينة إلى أخرى من المدن اليابانية، فيكتشف الزائر لطوكيو أنها مدينة ضخمة حداثية من الدرجة الأولى، تتبين فيها آثار الماضي بصعوبة، مدينة طوكيو مدينة للأبراج العملاقة والأضواء المبهرة والكباري العلوية وقطارات المونوريل المعلقة وشبكة مترو الأنفاق متعددة الطوابق التي تتجاوز خطوطها العشرة خطوط، رغم تعقد الشبكة لا يمكن أن تتوه فيها إذا عرفت كيف تستعمل الخريطة، البدائل كثيرة وطرق الوصول إلى غايتك متعددة، لوحات الإعلانات داخل محطات المترو تحدد مواعيد وصول القطارات بدقة متناهية، تستطيع أن تعرف متى تصل إلى هدفك بالثانية، لا مجال للتأخير أو الخطأ، أماكن وقوف القطار وفتح الأبواب محددة بدقة، لا يمكن أن يقف القطار متقدمًا أو متأخرًا سنتيمتر واحد عن مكانه المحدد، محطات المترو مذهلة في نظافتها، محطة طوكيو الرئيسية للقطارات، أسفل منها عدة أدوار من خطوط المترو، يتحرك فيها كل يوم عشرات أضعاف من يتحركون داخل محطة مصر، ومع ذلك لا أثر فيها لقذارة، لا توجد ورقة ملقة على الأرض أو كوم زبالة، أو ذرة تراب، المحلات داخلها لا تقل في مستواها عن محلات الأسواق الحرة في أكبر مطارات العالم، هذا النظام وهذه النظافة رغم أن اليابان صاحبة أعلى كثافة سكانية في العالم.




 كل شيئ يتحدث معك في المدينة وأنت تسير أو تركب المترو أو القطار، الإعلان عن مسار الرحلة على المحطة يتم بشكل دائم باليابانية والإنجليزية حتى لا تفقد اتجاهك، قبل أن يصل القطار إلى محطة تعلن الإذاعة الداخلية عن وصوله ومساره بصوت واضح لا يضيع في ضجيج الزحام، داخل العربات تسجيل صوتي يعلن عن المحطة القادمة والتي تليها، وتنبه من يرغب في تغيير الخط إلى الخطوط الأخرى في المحطة، إشارات المرور تنبه المارة والمشاة العابرون للتقاطعات إلى أنه أغلقت أو فتحت، والهدف هنا تنبيه المكفوفين، فالإشارة هناك ضوئية صوتية، عندما زرت اليابان للمرة الأولى لفت انتباهي شريط باللون الأصفر على الأرض بطول الأرصفة في الشوارع وبطول أرصفة القطارات وسلالم محطاتها، الشريط عليه دوائر ومربعات بارزة، عندما سألت عن السبب في وجودها عرفت أن الهدف منها مساعدة المكفوفين على تبين طريقهم.
 المكن في الشوارع أيضا يتحدث، كل شيء مميكن، لا تجد كشك يبيع السجائر أو المشروبات المثلجة أو الساخنة، مكينة للمشروبات الباردة، وأخرى للمشروبات الساخنة، وثالثة للوجبات السريعة.
 رغم زحام طوكيو أو ربما بسببه يحترمون كل مساحة خضراء، لا يجروء مسؤل على أن يسعى لاقتطاع رقعة خضراء ليبني عليها، حديقة الحيوان في قلب العاصمة لم يفكر أحد في نقلها وتحويل أرضها إلى أبراج سكنية أو إدارية.

 القديم في طوكيو متفرق وموزع بين أحيائها وسط غابة العمائر الكبيرة، معبد بوذي هنا، ومعبد شنتو هناك، قصر الإمبراطور، بعض المباني التي ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بوابة تاريخية لجامعة طوكيو التي كانت حدائقها قصرًا من قصور أحد الأمراء، تعرف هذه البوابة باسم البوابة الحمراء.

 وجامعة طوكيو عمرها 132 سنة، احتفلت منذ عامين بعيدها الثلاثون بعد المائة، أي أنها من عمر دار العلوم تقريبًا، وتسبق الجامعة المصرية بتسعة وعشرين عامًا، الجامعة كما عرفت كانت قد دمرت في زلزال كبير في بدايات القرن الماضي وأعيد بناؤها ثانية، أغلب مبانيها من طراز قديم ينم عن عراقة معمارية، المباني الحديثة متجانسة مع المبنى القديم.


 تتميز جامعة طوكيو بحديقتها المفتوحة أمام الناس، فهي المتنزه العام لسكان المنطقة التي تتوسطها الجامعة، وفي قلب هذه الحديقة توجد بحيرة كبيرة يأتي إليها الناس من خارج الجامعة لتناول غذائهم على ضفافها، ومن الأمور المعتادة أن ترى الناس يسيرون بكلابهم في الحديقة، لا أحد يعترضهم، كما أن الملاعب الرياضية للجامعة مفتوحة أمام الناس، وفي الليل تشاهد الطلاب والطالبات يقفون في مجموعات بين مباني الجامعة وساحتها يغنون ويعزفون، دون أن نشاهد رجل أمن بصفارة يهش الطلاب مثلما يحدث في جامعة القاهرة العريقة بدعوى أن المحاضرات انتهت وأن بقاء الطلاب في الجامعة بعد المغرب قلة أدب.


الدستور 12 أغسطس 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق