الخميس، 19 أكتوبر 2017

متحف مفتوح في قلب القاهرة الفاطمية... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات

متحف مفتوح في قلب القاهرة الفاطمية

عماد أبو غازي

  من سنوات وأنا أتردد على شارع المعز لدين الله، كدارس للتاريخ والوثائق، ذلك الشارع الذي كان يتوسط مدينة القاهرة الفاطمية ويقطعها من الشمال إلى الجنوب، تحول الشارع إلى المركز التجاري الرئيسي للمدينة القديمة مع تحول القاهرة من مدينة مغلقة على الخليفة الفاطمي وكبار رجال دولته إلى مدينة مفتوحة أمام الكافة، وفي هذا الشارع وفي الشوارع والحواري المتفرعة منه شيد الفاطميون قصورهم وبعض من أهم المساجد في عصرهم، كجامع الحاكم والأقمر، وإذا كانت القاهرة قد اضمحلت مع بداية العصر الأيوبي، إلا أنها سرعان ما عادت لها الحياة في أواخر ذلك العصر، ثم عاودت إزدهارها في عصر المماليك، وتحف بشارع المعز عديد من أهم المساجد والمدارس والمنشآت التي شيدت في العصر المملوكي بشقيه البحري والجركسي، فهناك مجموعة قلاوون ومدرسة برقوق ومدرسة برسباي وقصر بشتاك، هذا بخلاف آثار العصر العثماني من أسبلة ومكاتب ومساجد وبيوت، إلى جانب أن الشارع وما حوله ارتبط بشخصيات لعبت دورا في الحياة المصرية من المقريزي حتى نجيب محفوظ.


 إن كل أثر من تلك الآثار الباقية في شارع المعز وما حوله كفيل بأن يكون مزارا تتجه إليه الأنظار، إنه سجل لتاريخ العمارة الإسلامية في مصر على مدى تسعة قرون، من العاشر حتى القرن التاسع عشر الميلاديين.
 وقد شهدت آثار شارع المعز تدهورًا كبيرًا بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتعديات الأهالي على الآثار والتلوث الناجم عن حركة المرور وعوامل الزمن، وكادت كثير من آثار هذا الشارع تتحول إلى خرائب.
  وفي عام 1998 بدأت وزارة الثقافة مشروعًا لإنقاذ شارع المعز، ويعد المشروع تجربة رائدة في الحفاظ على المناطق التاريخية الأثرية وتطويرها، وقد تمت من خلال مشروع القاهرة التاريخية بالتعاون مع كافة الجهات المعنية بالمدينة التاريخية.
 وقد زرت مؤخرًا الشارع، ورأيت إنجازًا حضاريًا وثقافيًا مهمًا، رغم أن ما تم تنفيذه يعد أول خطوه فقط فى خطة متكاملة للحفاط على التراث العمرانى للمدينة التاريخية روعي فيها البعد الاجتماعى بالتوازي مع الحفاظ على الطابع العمراني، تلك الخطوة "مثالًا لما سيكون عليه الحال مستقبلًا للعودة بالمدينة القديمة السابقة ريادتها الحضارية لتكون منارة ثقافية تشع للعالم الحضارة المصرية المجيدة" كما يذكر الكتاب التوثيقي الذي أصدرته وزارة الثقافة المصرية لتسجيل هذا الإنجاز المهم.
 ويمضي هذا السجل التوثيقي في تتبع المشروع منذ بدايته: "لقد سجلت مدينة القاهرة على قائمة التراث العالمى عام 1979م، ثم كانت نقطة الانطلاق للمشروع فى منتصف عام 1998 ومع ظهور الدراسة التى قام بإعدادها برنامج الإنماء التابع للأمم المتحدة والمجلس الأعلى للآثار تحت مسمى مشروع تطوير القاهرة التاريخية، إلا أنه بعد عقد لقاء لليونسكو بالقاهرة وعرض نتائج الدراسة ومناقشة تفاصيلها فى باريس فى اجتماع آخر فى نفس العام، تبين مدى احتياج هذه الدراسة لمواكبة التغييرات البيئية والسكانية والعمرانية والثقافية للمنطقة بصورة متلاحقة حيث اعتمدت الدراسة على جميع الإحصائيات التى تمت بالقاهرة من خلال أجهزة الحكومة المصرية التى تقوم بإعداد مثل هذه الإحصائيات بشكل دورى واعتمدت الدراسة على آخر هذه الإحصائيات فى ذلك الوقت والتى تعود إلى عام 1986م.


 لذا فقد كان الاتجاه الأساسى هو التعرف على المتغيرات التى حدثت بالمنطقة خلال أثنى عشر عامًا من سنة 1986 إلى 1998م وكذلك التعرف بشكل تفصيلى واضح على حالة المبانى الأثرية بالمنطقة ومدى احتياجها لأعمال الحفاظ والترميم وبيان مدى خطورتها حيث لم تركز الدراسة على هذه النقطة.
 وبناء على هذه المناقشات، أعدت وزارة الثقافة ورقة عمل خاصة بالحالة الراهنة آنذاك للعرض على الحكومة المصرية، وأوصت بضرورة إعداد مسوح شاملة للوضع الراهن بكامل متغيراته تمهيدًا لإعداد دراسات للمشروع الخاص بالقاهرة التاريخية على أن تمثل كل الجهات التى تعمل فى نطاق القاهرة التاريخية فى هذا العمل، وأن يكون العمل وفقًا لتصور متكامل للمنطقة يحافظ على شخصية القاهرة الاعتبارية ويعمل على الحفاظ عليها من المتغيرات المتلاحقة، وكذلك إعداد منهج لخطة عمل لجميع الهيئات المؤثرة فى هذه الدراسة، وبناء على هذه الورقة فقد صدر قرار رئيس الحكومة المصرية رقم (1352) فى مايو 1998م بتشكيل مجموعة عمل على المستوى الوزارى وهم يمثلون وزارات الأوقاف، التعمير، التخطيط، الحكم المحلى، الداخلية، النقل، ومحافظة القاهرة وبرئاسة وزير الثقافة وتكون مهمة هذه اللجنة الإشراف على وضع خطة عمل ومنهج لإعداد الدراسات المتكاملة لمشروع القاهرة التاريخية طبقًا لتصورات وزارة الثقافة باعتبارها الجهة المنوط بها أكبر حجم من العمل فى المنطقة".
 وانطلق العمل وبعد عشر سنوات أصبح لدينا بحق متحفًا مفتوحًا لتاريخ العمارة الإسلامية.

الدستور 26 أغسطس 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق