السبت، 15 أكتوبر 2016

مخربشات

ليه قلت آه ...؟

عماد أبو غازي

 يوم الأربعاء الماضي كان موعد الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور، ولأول مرة أجد نفسي حائرًا ومترددًا في قراري فيما سأفعل، هل أشارك أم أقاطع؟ وإذا شاركت ماذا سأقول لا أم نعم أم سأبطل صوتي؟

 فمنذ استخرجت بطاقتي الانتخابية عام 1973 عندما أكملت عامي الثامن عشر لم أتغيب عن استفتاء أو انتخاب إلا مضطرًا، لغياب جبري مرتين، أو لعجز عن الوصول إلى أبواب اللجنة الانتخابية مثلما حدث في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عام 2000 بسبب المعارك بين أنصار المرشحين والحصار الأمني الذي لم يسمح إلا بدخول من يعرفه مندوبو واحد من المرشحين، لذلك فبطاقتي الانتخابية مسجل عليها مشاركتي في 19 انتخاب واستفتاء منذ مايو 1974، ورغم عدم ثقتي في كثير من الانتخابات التي شاركت بالتصويت فيها، إلا أنه كانت لدي قناعة دائمة أن واجبنا أن نشارك ونقول ما نريد أو نختار من نريد أيًا كانت النتيجة، فالمشاركة أول خطوات التغيير، وهي السبيل لسد الطريق أمام من قد يتلاعبون في أصواتنا، في كل مرة كنت أذهب بقرار واضح مُحددًا لمن سأعطي صوتي في الانتخابات حتى ولو كنت متأكدًا من عدم فوز من أرشحه، وفي كل استفتاء كنت أتجه إلى الصندوق بقرار واضح لأقول لا في مرات ونعم في مرات أخرى وأبطل صوتي في مرات ثالثة.

 أما هذه المرة فالأمر اختلف، لم يعد الموضوع بهذه السهولة والوضوح، فالاستفتاء حول تعديل للدستور طالبت به القوى الديمقراطية في مصر لسنوات طويلة، لكن الصيغة التي أقرها مجلس الشعب للتعديل وضعت ضوابط مبالغ فيه للترشيح لمنصب الرئاسة تصل إلى حد التعجيز، وجاءت هذه الضوابط في صلب مواد الدستور بدلًا من موضعها الطبيعي، أي القانون المنظم لانتخابات منصب رئيس الجمهورية، والهدف بالطبع عدم تمكين المعترضين على هذه الضوابط من الطعن عليها بعدم الدستورية، وتواكب مع هذا تصعيد للمواجهة الأمنية ضد المظاهرات السلمية للمعارضين، وحصار لمحاولاتهم إيصال رأيهم للمواطنين بصورة لا تبشر بأمل في تغيير حقيقي، وجاءت دعوة المعارضة لمقاطعة الاستفتاء والتزام البيوت يوم 25 مايو لتزيد التردد، فكرت بالفعل في المقاطعة وأعجبتني للوهلة الأولى فكرة البقاء في البيت، لكني تساءلت: إذا كنا نعاني من المقاطعة السلبية للمواطنين وإحجامهم عن المشاركة السياسية، فهل واجبنا في مواجهتها دعوة الناس للمشاركة أم دفعهم إلى مزيد من السلبية؟ وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنسبة مشاركة منخفضة فهل هذا نتاج دعوة المعارضة للمقاطعة وقناعة الناس بها أم نتاج السلبية والإحجام عن المشاركة السائدين في مجتمعنا؟ ثم هل شعار التزام البيوت كشكل من أشكال العصيان السياسي شعار صائب من أحزاب المعارضة الرئيسية؟ أتصور أنه شعار خاطئ فلا ينبغي أن ترفع المعارضة شعارًا لا تستطيع تحقيقه فهذا إضعاف لموقفها.
 ساعدتني على حسم موقفي ابنتي، فطول الأسبوع السابق على الاستفتاء كانت مريم (14 سنة ونصف) تسألني يوميًا هل سأذهب للاستفتاء أم لا؟ وإذا ذهبت ماذا سأقول؟ قالت لي إن المقاطعة سلبية، وعندما قلت لها عندك حق، لكن التعديل لا يفي بالغرض منه، وأنا متردد هل أذهب وأقول لا؟ وهل لا هنا ستكون لا للصورة التي تم بها تعديل المادة أم لمبدأ التعديل نفسه؟ قالت لي ممكن تروح ومتقولش نعم أو لا تبطل صوتك، سر اهتمام مريم بالاستفتاء لأنها تدرس بالمدرسة الفرنسية، وتتعلم في مقررات المواد الاجتماعية وفقًا للمناهج الفرنسية حقوق المواطن وواجباته، وفي مقدمتها حقوقه السياسية، بعد مناقشة طويلة مع مريم وبعد طول تفكير حزمت أمري وقررت أن أذهب إلى لجنتي الانتخابية وأدلي بصوتي، إذًا لن أقاطع سأذهب، لكن ماذا أقول في الاستفتاء؟

 يوم الاستفتاء قررت بعد تفكير وذهبت وقلت نعم، رغم عدم موافقتي على صيغة التعديل، لكني أتصور أن التعديل مهما كانت عيوبه وجوانب القصور فيه خطوة مهمة إلى الأمام، وهو خطوة أولى وليس نهاية الطريق، لقد كان تغيير أسلوب اختيار رئيس الجمهورية مطلبًا للقوى الديمقراطية منذ وعينا على العمل السياسي، فإذا تحقق هذا المطلب اليوم منقوصًا سنأخذه ونطالب بالمزيد، وإذا كان اختيار الشعب لرئيس الجمهورية من بين عدد من المرشحين في انتخاب سري مباشر قد احتاج إلى 50 سنة من النضال والعمل الدؤوب قبل أن يتحقق، فإنه من المؤكد أن تعديل شروط الترشيح لن تحتاج إلى خمسين سنة أخرى، فالزمن غير الزمن، وقد دارت عجلة التغيير ولن يوقفها أحد.

* الدستور، أول يونيو 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق