الخميس، 13 أكتوبر 2016

مخربشات

غصب عني أنا باصطاد في الميه العكره !!

عماد أبو غازي

  بما إني كتبت من أسبوعين عن التاريخ الدموي للإخوان، في سياق التعليق على مشروعهم لإعادة كتابة تاريخ مصر، فقد اعتبرت نفسي ممن وجه لهم الزميل خالد البلشي في مقاله المنشور في دستور 11مايو الاتهام بأنهم "يصطادون في الماء العكر"، ومن الذين تسببوا في "الخوف الذي تملكه"، مع أني كتبت مقالي قبل مظاهرات الأخوان، وبالطبع قبل حملة الاعتقالات التي طالتهم في الأسبوعين الأخيرين، ولم أقصد به ـ لا سمح الله ـ تبرير هذه الحملة أو تأييدها، لكن لما قرأت مقال خالد المعنون "عندما جاءوا لاعتقال الإخوان كان لابد أن نعترض"، أخافني بشدة ليس لأنه قد يعتبرني صيادًا في الماء العكر، وأنا أكره الصيد أساسًا، لكن لأنه نبهني إلى مدى الارتباك الذي تعيشه القوى الديمقراطية في مصر في موقفها تجاه جماعات الإسلام السياسي.
 بداية أخافتني وجهة نظره التي طرحها في قوله إنه "لا وقت الآن إلا للتضامن مع الإخوان، ولا وقت إلا لمساندتهم في محنتهم"، رغم الاختلافات الحادة بينه وبينهم، وإن وقت السؤال عن سبب خروجهم الآن بالذات قد مضى، فهل فعلًا لا وقت الآن إلا للتضامن مع الإخوان؟ عموما ربنا يفك سجن كل مظلوم، وهل سؤال الساعة هو سؤال لماذا تطاردهم الحكومة بعنف؟
 أتصور أن الوقت الآن أكثر من أي وقت، هو وقت السؤال عما ستفعل القوى الديمقراطية في مواجهة خروج الإخوان إلى الساحة بهذا الوضوح الآن، أما عن السبب، فالسبب واضح، مثلما هو واضح تمامًا سبب مطاردة الحكومة لهم.
 ومرة أخرى أخافني مقولته حول حق الإخوان في المنافسة على الحكم والوصول إليه طالما كانت تلك هي إرادة المواطنين، فأنا أتصور أن هذه مثالية حالمة مفرطة يتبناها كثير من الديمقراطيين الحقيقيين، وهي مثالية تفضي إلى الموت ليس موت أصحابها وحدهم بل موت الوطن كله، وهي مثالية لا محل لها في عالم السياسة.
 وأذكرك يا عزيزي، وأنت تذكر بالتأكيد، أن النازية وصلت للحكم من خلال صناديق الانتخاب، لأن أسلاف زميلنا خالد البلشي من أكثر من سبعين سنة قالوا إن من حق الحزب النازي المشاركة في الحياة السياسية ما دام يعلن التزامه بقواعدها، فكانت النتيجة انقلابًا سريعًا على هذه القواعد، ثم كارثة عانت منها ألمانيا لسنوات راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب الألماني في معتقلات النازي، وراح ضحيتها ملايين من البشر على مستوى العالم في الحرب التي أشعلها، فهل نكرر التجربة؟
 والمرجعية الدينية في السياسة مرجعية معادية للديمقراطية، لا تقبل الأخر المختلف، فالمختلف مع أصحاب هذه المرجعيات ليس مختلفًا مع البشر وأفكارهم، لكنه من وجهة نظرهم يقف في مواجهة ما أمر به الله سبحانه وتعالى، والعياذ بالله، ومهما ادعى الأخوان المسلمون أنهم ديمقراطيين ويقبلون الاختلاف في وجهات النظر، فلن نصدقهم حتى يكفوا عن أن يكونوا حزبًا دينيًا، إنهم حتى لا يقبلون الاختلاف داخلهم، وواقعة حزب الوسط ليست ببعيدة.
 أنا معك أن التشكيك يطال الجميع كل الأحزاب لها مشاكلها مع التناقض بين الأفكار المعلنة والممارسات، لكن فارق كبير بين رئيس الحزب الليبرالي الذي يكبس على نفس حزبه مدى الحياة، والحزب الذي يدعي المطالبة بالعدالة الاجتماعية وينتهك حقوق العاملين في جريدته، وبين تنظيم ديني يدعي الإيمان بالديمقراطية بينما مرجعيته تأتي من السماء، من الدين كما يفسره هو، وأنا لا أحاسب على النيات لكن على مواقف نواب هذا التنظيم وممارساتهم المعادية لحرية الفكر والإبداع، على سلوكهم في كثير من النقابات التي سيطروا عليها، ولا يتركوا فيها مساحة للمختلفين إلا مضطرين.
 ترى هل نصدق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في مظاهرة الأربعاء عندما أمر متظاهريه بإنزال المصاحف ورفع شعارات تبدو سياسية؟ أم نصدق جموع أعضاء الجماعة الذين رفعوا المصحف واكتفوا بإخفاء السيف مؤقتا؟
 بل إن حتى هذه الشعارات التي رفعها الدكتور أبو الفتوح مثل "سنطالب بحرية هذا الشعب بمسيحيه ومسلميه" و"نقول نريد الشريعة الإسلامية التي تكفل المساواة والعدالة لإخواننا المسيحيين ولن نبخس حقوقهم"، تحمل بشكل واضح بذور الطائفية البغيضة التي تقسم المواطنين وفقا لهويتهم الدينية.
 ولا أعتقد أننا نملك رفاهية أن نجربهم ونشوف وإحنا وحظنا، فإذا جاءوا بصناديق الانتخاب فسوف يحطمونها في اليوم التالي، وفي مجتمع حرم من الممارسة الديمقراطية لسنوات سيكون من الصعب مقاومة الفاشية الدينية وإزاحتها إذا تمكنت وتحكمت، وأمامنا النموذج الإيراني.
 ولا يمكن أن نصدق المقارنة الواهمة بينهم وبين نظرائهم في تركيا، فالإخوان ليسوا حزب العدالة، ومصر ليست تركيا، فهناك نظام علماني راسخ تحميه المؤسسة العسكرية من ناحية ورغبة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى ولدينا مجتمع مؤسساته مخترقة بالفكر السلفي.
 عزيزي خالد إذا كنت تفكر بقلق في مستقبل ابنك فعلًا كما قلت، فعليك أن تقف في مواجهة أفكارهم اليوم وغدًا وفي كل وقت، فالتغيير ليس هدفًا وفقط، بل الهدف هو التغيير للأفضل، وهذا الأفضل بالطبع سنختلف حوله، لكن ليس فرضًا علينا أن نؤيد أي تغيير حتى لو جاء من الإخوان.
 أخيرًا لا أعرف لماذا ذكرتني مقالتك هذه بقصة وقعت منذ قرابة ربع قرن عندما كانت المعتقلات عامرة بمعتقلي حملة سبتمبر 1981، ثم أضيف إليهم من الذين قبض عليهم عقب جريمة اغتيال الرئيس أنور السادات، وقتها تعرض المعتقلون من التيارات الإسلامية للتعذيب، وأضرب عن الطعام عدد من السياسيين من مختلف التيارات للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية في المعتقلات، وللمطالبة بوقف التعذيب للإسلاميين، الذين لم يشترك أي منهم في الإضراب، لكنهم استفادوا من نتائجه الإيجابية، وعندما سألهم الذين أضربوا عن الطعام عن موقفهم، قالوا: "ربنا سخركم لنا لتجوعوا ونستفيد نحن"!

 يا ترى أنت تعرف ليه أنا افتكرت هذه القصة؟

* الدستور، مايو 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق