الأحد، 2 أكتوبر 2016

مخربشات
عندما يكتب الإرهابيون التاريخ
عماد أبو غازي

  نشرت جريدة "المصري اليوم" في عددها الصادر يوم الخميس 14/4/2005 في صفحتها الثالثة تقريرًا صحفيًا تحت عنوان: "الإخوان المسلمين يكتبون تاريخ مصر"، ورغم أن أحمد الخطيب ـ كاتب الموضوع ـ قد افتتحه بعبارة: "في واقعة غير مسبوقة تنذر بجدل واسع..." إشارة إلى مشروع جماعة الأخوان المسلمين بكتابة تاريخ مصر المعاصر، انتظرت هذا الجدل الواسع يومًا بعد يوم وأسبوعًا بعد أسبوع دون جدوى، فلم يثر جدل واسع ولا حتى ضيق حول الموضوع، ولما كنت اعتقد أن قرار جماعة سياسية دينية بكتابة التاريخ أمر يستحق التوقف عنده بالفعل، فقد قررت أن أبدأ الجدل عله يتسع.
  يشير التقرير الصحفي إلى أن الجماعة كشفت عن قيام لجنة تضم عددًا من العلماء من مختلف التخصصات بكتابة تاريخ مصر المعاصر، وإن ذلك جاء بناء على تكليف من مكتب الإرشاد، وإن هذه اللجنة بدأت عملها بالفعل ووصلت فيه إلى سنة 1949.
  ولا أعرف في الحقيقية ما هي "مختلف التخصصات" المطلوبة لكتابة التاريخ المعاصر لمصر، والتي ينتمي إليها هؤلاء العلماء أعضاء اللجنة الذين صدر إليهم تكليف مكتب إرشاد الإخوان المسلمين ليعيدوا كتابة تاريخنا، على هوى الجماعة وهوى مرشدها العام ومكتبه!! فهل تضم اللجنة مثلًا علماء في الطبيعة النووية وأطباء ومهندسين زراعيين وكيميائيين؟
 ما نعرفه أن كتابة التاريخ منذ سنوات طويلة أصبحت علمًا له قواعده المنهجية، والمختصون فيه هم المؤرخون الدارسون للتاريخ دراسة أكاديمية، وقد رفض نائب المرشد العام الدكتور محمد حبيب الإفصاح عن أسماء أعضاء اللجنة حماية لهم من الضغوط حسب قوله، إذًا فنحن أمام لجنة سرية تكتب تاريخ مصر المعاصر من وجهة نظر جماعة عاشت معظم تاريخها سرية، فلا شك أن من يقبلون تكليف مكتب الإرشاد هم أعضاء الجماعة وأتباعها، كذلك لم يفصح الدكتور حبيب عن أسماء الشهود/المصادر الذين لجأت اللجنة إليهم، وإن كان قد أكد أن اللجنة ستبدأ بالاستماع لأعضاء الجماعة ثم بالمحبين والمتعاطفين وتنتهي بالشخصيات الثقة والذين ترجح أمانتهم وإخلاصهم، لمين؟ للجماعة طبعًا، كما قد تلجأ اللجنة للسفر إلى الخارج لجمع المادة من مصادرها، وهذا طبيعي فتلقي الدعم الخارجي للجماعة عبر تاريخها كان اتهامًا أساسيًا موجهًا لها.
 أما عن مبرر تشكيل اللجنة وسعي الجماعة لكتابة تاريخ مصر المعاصر، فمرجعه وفقًا لنائب المرشد العام، الحرص على تقديم تاريخ موثق لمصر دون أي رتوش  "لأننا ـ يعني جماعة الإخوان ـ نرى أن التاريخ في حاجة لمن يكتبه بصدق وأمانة"! لا يا شيخ!
  فهل مثل هذه اللجنة المكلفة من مكتب الإرشاد والتي تذكرنا بلجان كتابة التاريخ في الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق وفي الأحزاب العقائدية، يمكن أن تكتب التاريخ بأمانة، أم أنها سوف تكتب التاريخ من وجهة نظر حزبية ضيقة؟
 لو كانت هذه اللجنة تكتب تاريخ الجماعة المنحلة ربما هان الأمر بعض الشيء، هما أحرار في تاريخهم، ولن يعتبر أحد أن ما يكتبوه هو تاريخهم الحقيقي لكنه تاريخهم المحسن كما يريدوا لنا أن نراه، ولو قالوا أن لجنتهم تكتب وجهة نظرهم في تاريخ مصر المعاصر، لضربنا لهم تعظيم سلام، واعتبرنا أن ما يكتبوه شهادة مجموعة شاركت في الحياة السياسية المصرية أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وإنهم يسجلون شهادتهم غير المحايدة، التي يستفيد منها الباحثون ويتعاملون معها كرؤية منحازة، لكن زعمهم بأن ما سوف يكتبونه هو الحقيقة، وأن تاريخنا في حاجة لمن يكتبه بصدق، وأنهم هم الصادقون، فهو ما لن نصدقهم فيه أبدًا، حتى يكتبوا لنا عن مساهمة شركة قناة السويس التي كانت أجنبية في تمويل الجماعة عند نشأتها الأولى على يد مؤسسها حسن البنا، وعن الدور الذي لعبته جماعة الأخوان المسلمين لحساب السرايا ضد حزب الأغلبية الشعبية، الوفد المصري، وعن دورهم في شق الوحدة الوطنية للأمة بأفكارهم التي تعود بمجتمعنا إلى العصور الوسطى، وعن جرائمهم الإرهابية التي ارتكبها جهازهم السري في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ولا يكفي هنا للتكفير عنها إعلانهم إدانة العنف اليوم، بل لابد من الاعتذار للشعب المصري عن التاريخ الإجرامي للجماعة وللتنظيمات الجهادية التي خرجت من عباءتها، لن نصدقهم حتى يكتبوا لنا عن حقيقة دعمهم لتصفية الحياة الديمقراطية عقب قيام حركة الجيش، ثم انقلابهم على الضباط الأحرار بعد فشلهم في احتواء الحركة، وعن تفسيرهم للظاهرة التي أصبحت "تاريخية" تشترك فيه كل التنظيمات الدينية، ظاهرة الشبه الشديد بين الأفاعي وتلك التنظيمات، وهي النشأة في أحضان أعداء الوطن أو أعداء الديمقراطية ثم الانقلاب عليهم بعد ذلك ولدغهم، وكما يقول المثل "اللي يربي الحيه تلدغه".
  لقد سطرت جماعة الأخوان من قبل صفحات من تاريخنا بدماء الأبرياء، فهل ينوي الإخوان الآن أن يلطخوا تاريخنا بأفكارهم.

  إنها فقط محاولة إثارة الجدل حول مشروع الإخوان لكتابة تاريخ مصر...
* جريدة الدستور، أبريل 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق