الاثنين، 26 سبتمبر 2016

مخربشات

مولد مصري وعروسة صيني

عماد أبو غازي



 نشرت صحيفة الوفد الجمعة الماضية في صفحتها الأولى عنوانًا عريضًا "عروسة المولد ... صيني"، وفي الداخل تحقيقًا صحفيًا صغيرًا حول عرائس المولد الصيني التي بدأت تملأ السوق المصري وتنافس العرائس المصرية، وفي التحقيق إشارات إلى الحال الذي أدى لتراجع العروسة المصرية.
 ومن زمن طويل والمولد في مصر يرتبط بحلاوة المولد بأنواعها المختلفة وأهمها العروسة الحلاوة كشكل من أشكال الاحتفال بهذه المناسبة الدينية العظيمة، لكن في السنوات الأخيرة ومع الوعي بخطورة الألوان الصناعية المضافة إلى الأغذية بدأت حملة ضد العروسة الحلاوة بسبب ألوان "الذواق" المستخدمة في صنعها، وبدلًا من الرقابة على صناعة العروسة الحلاوة وعرضها في الأسواق، ابتعدنا عنها وبدأنا نصنع بدلًا منها عرايس بلاستيك، وكان طبيعي أن تتفوق علينا الصين فيها، وتغزو عرايسهم أسواقنا!
 وقصة عروسة المولد قديمة، ففي مصر تتنوع أشكال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ومستوياته، ما بين الاحتفال الرسمي الذي تقيمه مؤسسات الدولة المختلفة، والاحتفالات الأهلية التي تنظمها الطرق الصوفية، وقد ابتكر الشعب المصري أشكاله الخاصة للاحتفال والتي تعبر عن روحه وحضارته، وتتميز وتختلف عن أشكال الاحتفال في بلدان العالم الإسلامي الأخرى.
 وربما كانت حلوى المولد وعرائسه هي أشهر طقوس الاحتفالات الشعبية بالمولد النبوي الشريف في مصر، والعروسة الحلاوة تقليد مصري صرف، يرتبط عادة بمناسبة سعيدة هي المولد النبوي الشريف، وتكاد تكون هناك درجة عالية من الإجماع بين المؤرخين على أن الاحتفال المنتظم بالمولد النبوي الشريف قد بدأ في مصر، وإن ذلك كان في زمن الفاطميين، وقد وضع الأستاذ حسن السندوبي الذي كان أمينًا لمكتبة وزارة الأوقاف بقبة الغوري في الأربعينيات، كتابًا مهمًا عن تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي صدرت طبعته الأولى عام 1948، وقد تتبع فيه هذا الكتاب الاحتفال منذ بداياته الأولى في القرن العاشر إلى وقت تأليفه الكتاب، وقد تميزت الدولة الفاطمية في مرحلتها المصرية بإدراك عال لروح الشعب المصري المحبة للبهجة والمرح، فحاول رجال هذه الدولة أن يجعلوا حياة المصريين احتفالات في احتفالات، فكانت الدولة تنظم العديد من الاحتفالات الدينية وفي مقدمتها المولد النبوي الشريف وموالد آل البيت ورأس السنة الهجرية، إلى جانب الاحتفال الرسمي بالأعياد الدينية المسيحية كعيد الميلاد المجيد والغطاس، فضلًا عن رأس السنة المصرية المعروفة بالنيروز، وبعض الاحتفالات المصرية الأخرى وأهمها عيد وفاء النيل، وقد اهتمت المصادر التاريخية بوصف الاحتفالات الرسمية التي كانت تقيمها الدولة الفاطمية في مصر بالتفصيل بما فيها احتفال المولد النبوي الشريف.
 ولما كان الاحتفال بالمولد النبوي قد بدأ في مصر منذ زمن الفاطميين فقد ربط الناس دائما بين العروسة الحلاوة والعصر الفاطمي، وتتردد بين الناس أساطير حول ظهور هذا الطقس الاحتفالي في المولد، حيث يردد البعض أن الحاكم بأمر الله الفاطمي قد فرض على المصريين ضمن تشريعاته الغريبة الشاذة منع احتفالات الزفاف في جميع أيام السنة عدا ليلة المولد النبوي الشريف، ومن هنا كان الناس يعدون كل شئ استعدادًا للاحتفال بأفراحهم في ليلة المولد، فيعقدون قران الراغبين في الزواج، ويعدون جهاز العرائس، ثم في الأيام القليلة السابقة على ليلة المولد يعدون الحلوى، ومن بين أشكال الحلوى عرائس السكر المزينة الملونة ابتهاجًا بحفلات الزفاف، وبعد وفاة الحاكم بأمر الله ذهب معه قراره واستمرت العروسة الحلاوة كطقس من طقوس المولد، والأسطورة لا تخلو من طرافة، إلا أنها بعيدة عن الحقيقة، فعرائس الحلاوة، أو التماثيل المصنوعة من السكر عمومًا، هي من الطقوس الاحتفالية المصرية الأصيلة والتي لم يقتصر استخدامها في العصر الفاطمي على المولد النبوي فقط؛ فالمصادر القديمة تحكي لنا عن صنع تماثيل السكر على أشكال العرائس والطيور والحيوانات في احتفالات وفاء النيل في ذلك العصر، ولازالت العروسة الحلاوة طقسًا احتفاليًا في عديد من المناسبات غير المولد النبوي في بعض مناطق الريف المصري.
 وبالمناسبة فلمن يريد الاستزادة حول عروسة المولد فعليه بكتاب الفنان عبد الغني الشال عن عروسة المولد والذي طبع في الستينيات وأعيد طبعه مؤخرًا في المجلس الأعلى للثقافة.
 وفكرة العروسة ورسومها كشكل احتفالي موجودة من زمن قدماء المصريين، وقد استمرت في العصر البطلمي والروماني ثم القبطي وانتقلت بعد ذلك إلى مصر الإسلامية، مع عديد من العادات والتقاليد التي ما زالت تحيى بيننا منذ آلاف السنيين، ومن الطقوس المرتبطة بعروسة المولد في الأحياء الشعبية في المدن وفي قرى ريف مصر إلى الآن قيام العريس الجديد بإهداء عروسة حلاوة كبيرة إلى عروسه في أول مولد نبوي يمر عليهما بعد الخطبة وتسمى عروسة النفقة، وأتذكر أني في أول مولد نبوي بعد كتب كتابي قدمت لعروسي شمعدان خزف على شكل عروسة مولد ما زلت أحتفظ بها إلى الآن.

 حقيقي ما كانتش عروسة حلاوة لكن ما كانتشي صيني.
*أبريل 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق