الأحد، 25 سبتمبر 2016

مخربشات
يوميات عودة الإرهاب
عماد أبو غازي 
مساء الخميس... في نهاية أسبوع حافل بالنشاط الثقافي والعلمي بين المجلس الأعلى للثقافة والجمعية التاريخية في احتفالية ثمانينية أندريه ريمون، ودار الوثائق القومية حيث الاحتفال بيوبيلها الذهبي، نشاط شارك فيه باحثون مصريون وعرب وأجانب، استمعت إلى الخبر الكئيب حول حادث التفجير الإرهابي في خان الخليلي، قلت لنفسي عملوها مرة تانية أولاد ال..... الذين يستحلون القتل وسفك الدماء باسم الدين وتحت شعاراته، أو باسم الوطنية وهي بريئة منهم.
 صباح الجمعة كان علي أن أذهب إلى المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في المنيرة لأصطحب المؤرخ الفرنسي أندريه ريمون وزوجته إلى المطار بعد زيارة قصيرة للقاهرة للاحتفال بعيد ميلاده الثمانين، وأنا في انتظارهما على باب المعهد أتصفح جرائد الصباح، اقترب مني عم محمد الغفير، وهو صعيدي أسمر من الأقصر في العقد السادس من العمر، وعلق على الصور المنشورة في الصفحة الأولى من الجريدة مستهجنا بحسه الإنساني الجريمة ومتخوفًا من آثارها، ومستفهمًا عن الدافع الذي يجعل إنسانًا يرتكب مثل هذا العمل.
صباح السبت .. فكرت في أن سؤال عم محمد، السؤال الذي يستحق البحث عن إجابة له، فبغض النظر عما ستنتهي إليه نتائج التحقيق في الحادث الإجرامي الذي وقع في خان الخليلي يوم الخميس الماضي، وعما إذا كان العمل فرديًا أم من تخطيط مجموعة إرهابية ... صغيرة أو كبيرة؟ وهل فجر الإرهابي نفسه أم انفجرت العبوة فيه بطريق الخطأ، فإن الأمر يستدعي منا وقفة تأمل في المناخ العام الذي يدفع بهذا الإرهابي وبأمثاله إلى ارتكاب جرائمهم.
 المناخ الذي نقرأ ونسمع فيه عشرات من الكتاب والإعلاميين والساسة الذين يشيعون ليل نهار روح الكراهية والعداء ضد كل ما هو أجنبي، ويعيدون ويزيدون في قصص حول مؤامرات الغرب التي تستهدفنا، رغم أن الأمور كلها واضحة الغرب له مصالح يخطط لتحقيقها، ونحن لنا مصالح علينا أن نسعى لتحقيقها، ومن المؤكد أنه ليس من مصلحتنا الانكفاء على أنفسنا ومعادة الغرب عمال على بطال.
 المناخ الذي يروج لأعمال الإرهاب في العراق، التي تتم باسم المقاومة، ويعتبرها أعمالًا بطولية، رغم ما فيها من إجرام، فلم نسمع من قبل عن مقاومة قتلت من شعبها ثلث ما قتله المحتلون، ولم نسمع عن مقاومة تخطف الصحفيين والمهندسين والعمال البسطاء من الأجانب، تقتل بعضهم ذبحًا أو رميًا بالرصاص، وتفرج عن بعضهم مقابل فدية مالية، وتترك المحظوظ منهم ليعود إلى أهله ووطنه بعد ترويعه لأيام أو أسابيع حسب الأحوال والأهواء، ثم نجد من يشيدون بهذه المقاومة ويدافعون عنها، هذه الأفكار التي تمجد الأعمال الإرهابية وتقدم مرتكبيها باعتبارهم أبطالًا هي التي تشجع أشخاصًا مثل مرتكب جريمة خان الخليلي على ارتكاب جرائمهم.
 صباح الأحد... قرأت في "الأهرام" تحقيقًا صغيرًا حول الحادث الإرهابي تحدثت فيه الأستاذة الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاحتماعية والجنائية عن الفارق بين الشهيد والمجرم، وقالت: "إن الأول ـ الشهيد يفجر نفسه من أجل قضية مثلما يحدث في فلسطين، والثاني ـ المجرم ـ يفجر نفسه داخل بلده دون أن تكون تحت سيطرة استعمار أجنبي، ودون أن تكون له قضية".
 وتنبهت إلى خطورة هذا المنطق، فالعمليات الانتحارية ـ في تقديري ـ أيا كانت دوافعها جريمة ضد الإنسانية، بالدرجة الأولى ضد إنسانية من ينفذها ويفجر نفسه، لقد دخل هذا النوع من العمليات إلى منطقتنا بقوة منذ الثمانينيات من القرن العشرين، وبدأ يذيع صيته مع عملية سناء محيدلي عضوة الحزب القومي السوري، والتي نفذتها في جنوب لبنان، ثم انتشر هذا الأسلوب بين التنظيمات الإسلامية التي كانت ترى فيه في البداية انتحارًا مجرّمًا من الناحية الدينية، ثم قبلته و"تفوقت" فيه على نفسها وعلى غيرها، وأسلوب العمليات الانتحارية ملائم تمامًا للتنظيمات العقائدية التي تلغي عقل الإنسان وإرادته، والتي يضلل فيها القادة الكبار فتية وفتيات شبانًا وشابات في مقتبل العمر، ويدفعونهم إلى تحويل أنفسهم إلى قنابل بشرية تفجر نفسها وتنفجر في الآخرين لقاء دخول الجنة، وتصل لا إنسانية هذه التنظيمات إلى حد تسجيل شرائط فيديو يودع فيها الانتحاري الدنيا ويبث رسالته ليسير على دربه غيره من رفاقه، وعبر السنوات الماضية لم نسمع أبدًا عن قيادي في أي من هذه التنظيمات ذهب ليفجر نفسه، دائمًا يبقى القادة سالمين ـ إلا من صواريخ العدو ورصاصه ـ لأنهم قادة يفكرون ويخططون وينبغي أن يحافظوا على أنفسهم!! ويدفعوا دائمًا بالشباب الصغار الأقل أهمية قربانًا لخططهم، يا لها من فاشية!!
 إن حركات التحرر الحقيقية يقف القادة فيها في الصفوف الأولى دائما، هكذا كان سعد زغلول ومصطفى النحاس في مصر، وغاندي ونهرو في الهند، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وهوشي منه في فيتنام.
 إن تأييد مثل هذه العمليات لابد أن يدفع بأمثال إرهابي خان الخليلي للقيام بفعلته، ولن يجدي تمييز الدكتورة عزة بين من يفجر نفسه في المستعمر ومن يفجر نفسه في أبناء بلده، فهذا الأخير يتصور أنه صاحب قضية هو الآخر، ومهما كان إدراكنا لزيف قضيته وخوائها فهو لا يدرك ذلك.

 لقد شبّعنا عقول الناس تأييدًا لتلك العمليات الانتحارية، فلماذا لا يقوم هذا أو غيره بعملية انتحارية ليدخل الجنة! إن ما يجب علينا هو أن نميز بين أعمال المقاومة الشعبية الحقيقية سواء كانت سلمية أو مسلحة، التي يمكن أن يضحي فيها الإنسان من أجل وطنه لكنه دائمًا يخرج مقاومًا ولديه أمل ولو واحد في المليون في الحياة، وبين الاغتيالات والأعمال الإرهابية  والعمليات التي يغرر فيها بالشباب ليقتلوا أنفسهم ويبقى الآخرين. 
# أبريل 2005.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق