الاثنين، 2 يناير 2017

مخربشات

رد على رد ... الإخوان تاني

عماد أبو غازي

 مرة ثالثة أعود إلى موضوع الإخوان المسلمين؛ ففي دستور الأسبوع الماضي كتب الزميل إيهاب عبد الحميد معلقًا على ما كتبته من أسبوعين حول ضرورة المواجهة الفكرية لتيار الإسلام السياسي والتصدي لفكره المعادي للديمقراطية.
 وفي الرد عدة نقاط تحتاج إلى مناقشة؛ بداية من العنوان الذي تصدر الرد "الإخوان أفضل من النظام الحالي"، وانتهاء بالخلاصة التي وصل إليها في ختام مقاله بأنه ليس هناك شيء أسوأ مما نحن فيه، مرورًا بالأسئلة التي يراها ضرورية، والإجابات التي يعتقدها بديهية.
 أولًا: أنا لم أطرح من الأساس مقارنة بين الإخوان والنظام؛ لكن ما طرحته بشكل أساسي كان في سياق الرد على كلام الزميل خالد البلشي الذي اعتبر أن أي هجوم على الإخوان في محنتهم الحالية صيد في الماء العكر، وقد كان رأيي ولا يزال أن مواجهة فكر الإخوان وكشف تاريخهم الإرهابي الذي لم يعتذروا عنه إلى الآن واجب على من يرغب في بناء ديمقراطية حقيقية، بغض النظر عن تقديرنا من الأسوأ ومن الأفضل في هذا المضمار، عمومًا ورغم أن هذا لم يكن موضوع مقالي الذي يرد عليه إيهاب عبد الحميد، فمن الأخر الثبات والجمود أفضل في تصوري من التغيير إلى الوراء؛ فإذا لم يكن التغيير يدفعنا إلى المستقبل فقلته أحسن، وواهم من يتصور أن التغيير مجرد التغيير هو اتجاه إلى الأفضل، فهناك دومًا تغيير للأفضل وتغيير للأسوأ.
 ثانيًا: الأسئلة التي يطرحها زميلنا إيهاب ويرى أن إجاباتها بديهية، وتلك التي يطرحها باعتبارها أولى بالمناقشة تحتاج هي نفسها لمناقشة.
 فالسؤال حول ضرورة مساندة الإخوان في نيل حقهم في التعبير ليست له إجابة بديهية أو إجابة واحدة بالضرورة؛ بل هو سؤال إشكالي، وإجابته خلافية في تقديري.
 فهل النضال من أجل السماح لتيار معاد للديمقراطية ولحرية الرأي والتعبير عداءً أصيلًا بحقه في الدعوة لأفكاره أمر لا يحتاج إلى نقاش؟ فما هي أهدافهم التي علينا أن نناضل من أجل السماح لهم بالوصول إليها بطريقة سلمية؟ هل تقييد الحريات ودفع المجتمع قرونًا إلى الوراء أمر مقبول إذا جاء بطريقة سلمية؟
 ثم أين هي المشكلة أصلًا؟ إن التيار الديني بتلويناته المختلفة هو الأكثر تعبيرًا عن أفكاره منذ السبعينيات عندما تحالف الإخوان مع النظام وقتها ضد اليسار والقوى الديمقراطية، ويملك الإخوان تأثيرًا أكبر من غيرهم من القوى السياسية والاتجاهات الفكرية من خلال تغلغلهم في مؤسسات المجتمع، ومن خلال المساحة المتاحة لهم للدعوة لأفكارهم تحت ستار الدعوة الدينية، وزاد من سطوتهم أن قطاعات من المجتمع تهيأت لتلقي أفكارهم بعد انتشار الفكر الوهابي بين العائدين من الخليج عمومًا، ومن السعودية خصوصًا.
 أما السؤال الذي لا مفر منه في تقديري، فليس ماذا لو كان ثمن الديمقراطية وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر؟ بل ينبغي أن يكون السؤال الذي تطرحه القوى الحريصة على الديمقراطية وعلى مستقبل هذا الوطن، كيف نمنع الإخوان المسلمين من الوصول إلى حكم مصر؟
 ثالثًا: إن القول بأن الصعود الديمقراطي للإخوان سيكرس الديمقراطية أكثر مما يكرس الدولة الدينية، استنادًا إلى اختلاف النظام العالمي أمر مشكوك فيه، فالنظام العالمي اليوم نظام تصعد فيه قوى اليمين الديني المسيحي واليهودي والهندوسي وتزداد قوة، ويمكن أن يتقبل يمينًا دينيًا إسلاميًا ما دام لن يمس مصالح القوى الكبرى في النظام العالمي الجديد.
 عزيزي إيهاب لا تطمئن كثيرًا للنظام العالمي، ولا تتعب نفسك بالبحث عن الفارق بين الإخوان في مصر وغيرهم من الأحزاب الدينية في العالمين العربي والإسلامي، فالفكر الديني واحد.
 وأمامنا ممارسات نوابهم في مجلس الشعب المعادية لحرية الفكر والتعبير والإبداع، ومشروعهم الذي قدموه في السبعينيات لتشريعات تقطيع الأطراف والجلد والرجم وأسموه بتقنين الشريعة الذي جمد بسبب حل مجلس الشعب سنة 1978.
وأمامنا النموذج الإيراني الذي صادر الحريات ولا يزال، ولا يخدعنا أن هناك انتخابات رئاسية بين أكثر من مرشح، وأن هناك امرأة ترشح نفسها لمنصب الرئاسة، ففي المقابل هناك مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يستبعد المرشحين بعد ترشحهم حتى ولو كانوا أعضاء في البرلمان، وهناك الملاحقات المستمرة لأي فكر أو إبداع خارج إطار المرجعية الدينية الرسمية، فحتى المراجع الدينية العليا التي تختلف مع النظام مثل آية الله منتظري يعزلون سياسيًا لاختلافهم مع النظام.
إذا وصل الإخوان أو جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة فلا مجال للمشاركة ولن تكون هناك ديناميكية ولا يحزنون، المشكلة لا تكمن في إعلان الإخوان القبول بآليات التغيير الديمقراطي وتقبلهم لقواعد الصراع السياسي البرلماني بدلًا عن الإرهاب المسلح، لكن القضية تكمن في ضرورة إعلانهم بالقبول بالدولة المدنية وتخليهم عن فكرة الدولة الدينية، وإعلانهم بشكل واضح القبول بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، واعتذارهم عن جرائمهم التي ارتكبوها في الماضي باسم الدين.

الدستور 8 يونيو 2005 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق