الأربعاء، 18 يناير 2017

مخربشات
"آل عاكف" حين يحكم وطنًا!
عماد أبو غازي
 كنت قد قررت أن أتوقف عن الكتابة حول موضوع جماعات الإسلام السياسي لأنتقل لهموم وقضايا أخرى، لكن استوقفتني فقرتان في مقال الصديق إبراهيم عيسى المنشور على الصفحة الخامسة من دستور الأسبوع الماضي تحت عنوان "آل باتشينو حين يحكم وطنًا!"... فقررت أن أعود ثانية.
 استوقفتني الفقرة التي استشهد فيها بالمفكر الراحل سيد قطب في تفسيره لآية من آيات القرآن الكريم، وتعجبت من استشهاد ديمقراطي أصيل وحقيقي مثل إبراهيم عيسى بمفكر من مؤسسي الفكر الإرهابي التكفيري في مصر، خصوصًا أن تفسير سيد قطب لا يضيف جديدًا مهمًا لما قاله إبراهيم ، لكنه فسر ذلك بأن الاستشهاد من نص يعود لمرحلة سابقة على التحول الأخير في حياة سيد قطب، الذي تحول من ناقد أدبي ليبرالي إلى إسلامي متشدد ثم إلى منظر للإرهاب الفكري والمادي، ربما كان معه حق وكل واحد حر في استشهاداته مادام يرى أنه تدعم موضوعه.
 أما الأمر الثاني الذي استوقفني في المقال، إنني اعتبرت أن إبراهيم يقصدني بشكل أو بآخر في الفقرة التي يقول فيها: "وأنا أعلم يقينًا أن هناك شرائح فكرية وسياسية في مصر وغيرها أهون عليها أن تظل فلسطين محتلة من أن تحكمها حماس وأبرد على قلبها أن يحكم مصر فسدة ومستبدون من أن يشارك في حكمها إخوان مسلمون"، فقد دارت بيننا وأصدقاء آخرين أكثر من مناقشة خلال السنوات الماضية حول هذا الموضوع، واختلفنا فيها، تطرقنا خلالها إلى إمكانية استقلال فلسطين على يد حماس، وكنت أعتقد وما زلت أن الحل الديمقراطي الذي طرحته الحركة الوطنية الفلسطينية للقضية منذ قرابة أربعين عاما، بإقامة دولة ديمقراطية علمانية يعيش فيها العرب واليهود جنبا إلى جنب هو المناسب حتى وإن كان يبدو اليوم بعيد المنال في ظل صعود التطرف الديني على الجانبين، وأرى أن ما تطرحه حركة حماس وغيرها من الحركات الإسلامية في فلسطين تحت شعار "فلسطين إسلامية" لا يقدم حلًا مقبولًا للقضية، بل يقدم حلًا ـ إذا اعتبرناه حلًا أصلًا ـ يرسخ المفهوم الذي قامت عليه الحركة الصهيونية والذي يجعل من التمايز والتمييز على أساس الدين الأساس الذي تقوم عليه الدولة، فضلًا عن أنه حل يشق الحركة الوطنية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني، مسيحيون ومسلمون خاضوا طوال عقود ممتدة نضالًا وطنيًا وليس دينيًا ضد الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، وبهذا المعنى فإن حماس تخدم إسرائيل أكثر مما تخدم القضية الفلسطينية بشقها للحركة الوطنية الفلسطينية.
 وإذا تحقق لحماس أن تحكم فلسطين أو جزء منها فسوف تقيم دولة دينية تضاهي إسرائيل في عنصريتها وتميزها بين البشر، وإذا كنا نعترض على إسرائيل لأنها دولة مغتصبة تقوم على التمييز على أساس الدين، فإذا استبدلنا بها نظامًا "وطنيًا" ـ وطنيًا بين قوسين لأن الإسلاميين ضد مفهوم الوطن ـ يقوم هو الآخر على التمييز على أساس الدين فلن نكون قد تقدمنا كثيرًا، وفي الآخر الشعب الفلسطيني حر في نفسه، لكن من المؤكد إننا لن نكون سعداء أو أكثر استقرارًا بقيام دولة دينية جديدة على حدودنا.
 وشواهد التاريخ القريب كثيرة عن الكوارث التي  يتسبب فيه منطق تأييد أي قوة محلية في مواجهة الحكم الأجنبي أو أعوانه بغض النظر عن المواقف السياسية والرؤى الفكرية التي تتبنها تلك القوى، وأمامنا مثال كمبوديا التي تخلصت من حكم الجنرال لون نول الفاسد المستبد الموالي لأمريكا ليحل محله حكم بول بوت الذي جاء بصيغة عقائدية ليحارب الفساد والتبعية فأباد نصف الشعب الكمبودي في المعتقلات ومعسكرات العمل الإجباري وعاد ببلاده سنوات وسنوات إلى الوراء، إلى أن أزاحته الجبهة الشعبية بدعم عسكري فيتنامي، كلف كمبوديا سنوات أخرى من الدمار والخراب المادي والمعنوي، كل هذا لمجرد تفضيل نظام "وطني" على حكم فاسد عميل.
 وأمامنا إيران بين حكم الشاه المستبد الفاسد وحكم آيات الله والملالي الذي شارك رئيسه السابق ـ وغالبا سيكون القادم ـ في فضيحة إيران جيت، النظام الذي سمح مؤخرًا للمرأة بارتداء الصندل وتسامح مع عدم إطلاق الرجال للحاهم في إطار الجهود الإصلاحية "الكبيرة" لرئيسه الذي ينهي مدته الثانية، النظام الذي عرفت معتقلاته عمليات تعذيب لا تقل بشاعة عما كان جهاز السافاك يمارسه في عهد الشاه.
 وكذلك مثال أفغانستان بين الحكم الموالي للاحتلال السوفيتي وحكم المجاهدين بمختلف فصائلهم ليس ببعيد، فقد عاشت البلاد في ظل الحكم "الوطني" الذي هو "أهون" من الاحتلال السوفيتي وحلفائه عصرًا من "أزهى" عصور الانحطاط عادت فيه أفغانستان ألف عام إلى الوراء، وأصبحت مهمة وزير "الثقافة" الأولى في نظام طالبان هي تحطيم تماثيل بوذا لأنها في رأي فضيلته أصنامًا، وقد وجدت هذه التصرفات الجاهلة من يدافع عنها على طول العالم الإسلامي وعرضه.
 وفي المقابل لك أن تتصور الحال في جنوب أفريقيا لو أن الذي انتصر لم يكن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، بل منظمة من المنظمات ذات التوجه العنصري الأفريقي هي التي انتصرت على النظام العنصري الأبيض، هل كان من الممكن أن تقوم في جنوب القارة دولة من أكثر الدول ديمقراطية في العالم الثالث، بل في العالم عمومًا.
 عزيزي إبراهيم ليس كل ما هو "وطني" ـ محلي يعني ـ أفضل بالضرورة، أظن هذه كلماتك.
 أما عن مصر في حال حكم الإخوان المسلمين أو أي جماعة من جماعات الإسلام السياسي إذا سيطروا على البلاد والعباد ـ لا قدر الله ـ فسيعلنون أنفسهم وحدهم المؤمنون وغيرهم كفارًا، أو عصاة في أفضل الأحوال، هم الفرقة الناجية ومن عادهم في النار، ومن حسن الحظ أن الدكتور أيمن الظوهري قد أعلن أمس الجمعة في شريط بثته الجزيرة رؤيته للإصلاح، وأظنها أبعد ما تكون عما تتمناه لمصر، دعنا نتصور معا السيناريو الأسود لحكمهم لمصر.
في اليوم التالي سوف تخصص أماكن للرجال وأخرى للنساء في دور العرض السينمائي، منعا للاختلاط، ويقتصر البث الإذاعي والتلفزيوني على تلاوة القرآن الكريم والأناشيد الدينية والأفلام والمسلسلات الدينية كذلك ستتحول جميع البرامج إلى برامج إخبارية أو دينية وستبدأ نشرة الأخبار التي سيقرأها رجال أو مذيعات محجبات بأخبار المرشد العام، بعد شهر سيمنع دخول النساء للسينما، وستحرم الأناشيد الدينية المصحوبة بالموسيقى لأن الموسيقى حرام كما ستمنع المسلسلات الدينية والأفلام التي تظهر فيها الممثلات غير منقبات، وبعد سنة ستمنع أي مسلسلات أو أفلام بها ممثلات أصلًا من باب الاحتياط، كما ستقتصر تلاوة القرآن الكريم على المصحف المرتل فقط، وستغلق دور السينما من أصله، "ستنقى" المكتبات العامة من الكتب الخارجة عن الدين مثل روايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم ودواوين الشعر من المتنبي وأبي نواس إلي حجازي ودرويش وأدونيس، فضلا عن كتب الفلسفة التي تحوي من وجهة نظرهم كفرًا بواحًا، ستغلق المتاحف الأثرية والفنية لأن ما بها أصنام ينبغي هدمها، سينطلق المطوعون في الشوارع والحدائق العامة ليمنعوا الناس من ممارسة حياتهم العادية، ستعطى الحرية كل الحرية لأنصارهم وسيحرم الكلام على سواهم، سترسوا كل العطاءات والمناقصات والممارسات في وزارات الدولة المختلفة ومصالحها على شركات يملكها "المؤمنون" لأنه لا تصح موالاة غير المؤمن.

 عزيزي إبراهيم إذا كانت قضيتك هي الإصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد، وأنا معك، فقد حكمت جماعات الإسلام السياسي خلال الخمسين سنة الماضية منفردة أو متحالفة مع النظم العسكرية الاستبدادية، ولن أعود إلى التاريخ البعيد فهو تاريخ أسود من قرن الخروب لكن قيم العصور الوسطى كانت قيم مختلفة، فقل لي متى أصلح هؤلاء ومتى صانوا الديمقراطية والحريات العامة والخاصة ومتى كانوا بعيدين عن الفساد.
الدستور 22 يونيو 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق