الأربعاء، 18 يناير 2017

مخربشات

صلاح عيسى ... وحجاب بثينة كامل!!!

عماد أبو غازي

 ما علاقة الأستاذ صلاح عيسى بحجاب بثينة كامل؟  كنت قد بدأت في كتابة مخربشاتي هذا الأسبوع حول مشروع الدستور المصري الذي أُعد سنة 1954 ولم ير النور، وكان الكاتب الكبير الأستاذ صلاح عيسى قد قدم دراسة مهمة حوله في جريدة المصري اليوم، وتواصلت حلقات هذه الدراسة القيمة على مدار عدة أسابيع، وأنهاها بالحلقة التي نشرت في عدد يوم السبت 4 يونيو وضمنها نص الدستور كاملًا، مع دعوة لتشكيل جماعة تتبنى هذا المشروع ليكون دستورًا جديدًا لمصر يحل محل دستور 1971، بعد أن أدخل صلاح عيسى على المشروع الأصلي بعض التعديلات التي اقترحها، كي يتواكب مشروع الدستور القديم مع العصر الذي نعيش فيه اليوم، وليلبي متطلبات جدت خلال السنوات الخمسين الماضية، وهي تعديلات محدودة فمشروع دستور 54 الذي يقوم على أساس النظام الجمهوري البرلماني، وينص بشكل حاسم على صيانة الحريات الأساسية للمواطنين، ويحافظ على مبدأ الفصل التام بين السلطات ويحفظ لكل سلطة كيانها واستقلالها، هذا المشروع ما زال صالحا ليكون أساسا لإصلاح ديمقراطي حقيقي في مصر، ودعوة صلاح عيسى دعوة مهمة تستحق الالتفاف حولها وتأييدها من أجل مستقبل هذا البلد.
  لكن ما علاقة كل هذا ببثينة كامل وحجابها، وأنا أبدأ في مقالي تلقيت على الفاكس رسالتين من جريدة الدستور إلى بثينة، بهما تعليقان من اثنين من قراء الدستور على مقال لها نشرته منذ أسبوعين حول تجربتها مع الحجاب التي خاضتها قبل أكثر من عشرين سنة، وقد دفعني ما جاء في التعليقين إلى تحويل مثار مخربشاتي لمناقشة بعض ما جاء بهما من آراء، وأكثر ما استفزني في كلام الأستاذ تامر الشامي والسيد صبري سراج هو الأحكام القاطعة التي يصدرانها بجرأة يحسدان عليها في أمور تعد بأي مقياس عقلاني أمورًا شخصية ومتغيرة، فالزي يخص من يرتديه يتحمل مسئوليته في الدنيا والآخرة، وإذا كان الأستاذ تامر والسيد سراج مقتنعان أن الإسلام دعوة صالحة لكل مكان وزمان ـ وهو كذلك بالفعل ـ فلا يمكن ربط الدين بزي محدد، فالزي متغير اجتماعي يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، ونصوص القرآن الكريم التي يستندون إليها تقبل تفسيرات متعددة، ويمكن فهمها بمعان مختلفة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن مجتمعاتنا عاجزة وفاشلة ومحبطة، وبدلًا من أن تقدم إضافة جديدة للإنسانية ولنفسها لتتجاوز عثرتها وتشغل نفسها بالعلم والعمل، شغلت نفسها بالمساحة التي ينبغي أن تغطيها المرأة من جسدها، وطول جلباب الرجل، ودعاء ركوب الدابة ودعاء دخول المرحاض، يا ناس ارحمونا وارحموا هذا البلد وتطلعوا إلى المستقبل قليلا بدل من إضاعة الوقت في الشكليات التي لن تقدم ولن تؤخر، إن هذا الحال يذكرني بقول الشاعر:
هل غاية الدين أن تحفوا شواربكم    * يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
 ثم من قال إن الحجاب هو العفة وعدم ارتداؤه عري، كيف ننظر إلى المرأة باعتبارها مجرد عورة ينبغي أن نغطيها حتى لا نستثار، ومنذ متى كانت هذه هي نظرة الرجل إلى المرأة في مجتمعنا المصري، لقد خرجت المرأة المصرية في المدينة إلى ساحات العلم والعمل والنضال الوطني إلى جانب الرجل منذ عشرات السنيين وخلعت النقاب والحجاب، ولا يجرؤ أحد على وصم جيل أمهاتنا وجدتنا بالعري أو أن يقلل من أهمية دورهم في بناء هذا البلد، أما المرأة في الريف المصري فلم تعرف طوال تاريخها الحجاب أو الاحتجاب إلا مع غزو الأفكار الوافدة من الخليج في السنوات الأخيرة، وقبل أن يعود إلينا الحجاب مع انتشار الفكر الوهابي لم نكن نسمع عن جرائم الاغتصاب وهتك العرض في الطرق العامة إلا فيما ندر، لأن رجالنا كانوا أسوياء لا ينظرون للمرأة على أنها مجرد عورة، أما السيد صبري الذي يعترض على دعوة الرجال لأن يغضوا البصر فلماذا يعصى أمر الله هنا؟ أو ليس غض البصر أمرًا إلهيًا صريحًا لا يحتمل تأويل؟ وإذا كانت نفس الإنسان سليمة وسوية من الداخل فلن يمشي مغمض العينين ولا حاجة، لكن عليه ألا ينظر نظرة جنسية حسية لكل إمرأة يرها، وبعدين إيه الحكاية؟ وإيه جاب كشف الشعر للعري؟
 وبالمناسبة ومن باب الشغب مع الدكتورة هبة رؤوف، إذا كانت الأمور وصلت لديكم فعلًا إلى هذا الحد غمضوا عنيكم أحسن أو أقعدوا في بيوتكم، هاقول لكم زي ما صاحب المطعم وصاحب المكتبة قالوا للدكتورة: "مش عاجبك ما تبصيش".
وبعيدًا عن المقالين فإن ما يسود في حياتنا اليوم من تنصيب الناس لأنفسهم قيمين على الأخلاق العامة باسم الدين، ومن إصدار الأحكام بثقة شديدة لا تستند إلى علم أو معرفة، ومن التدخل في الحريات الخاصة للأفراد والتعدي عليها بتنطع لا يضاهيه سوى تنطع جماعات المطوعين، بات أمرًا يحتاج إلى وقفة جادة في مواجهته.
 أخيرًا أعتقد أن الموضوع لا يبعد كثيرًا عن دستور 1954، واقترح على الأستاذ صلاح عيسى إضافة تعديل جديد مع تعديلاته ينص على تجريم التعدي على الحريات الخاصة أو التحريض على التعدي عليها خاصة لو جاء ذلك باسم الدين.

 أخيرًا ومن باب الشغب مرة ثانية، هذا النموذج الصغير لعقليات أنصار الإسلام السياسي وطريقة تفكيرهم، أهديه للزميلين خالد البلشي وإيهاب عبد الحميد ولكل من يذهب مذهبهما ليعرفا أي مستقبل أسود ينتظرنا لو وصل الإخوان إلى الحكم.
الدستور 15 يونيو 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق