الخميس، 5 أبريل 2018

معركة الجزائر... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
معركة الجزائر
عماد أبو غازي
 ما زالت المعركة الإعلامية التي أعقبت مباراة مصر مع الجزائر في أم درمان مشتعلة حتى كتابة هذه السطور، وما زال المحرضون في أجهزة الإعلام يدقون طبول الحرب ويطلقون قذائفهم الكلامية ويساهمون في تهييج مشاعر الجماهير، بدلًا من تهدئتها، وما زالت مواقع ومجموعات على الفيس بوك تتحول عن أهدافها النبيلة إلى مجموعات للتحريض، خلال الأيام الماضية انسحبت من عشرة مجموعات على الفيس بوك لأنها تحولت إلى مجموعات تحريضية، ولا أفهم في الحقيقة إلى ما يسعون من وراء هذا التحريض؟ هل مطلوب أن تزحف الجماهير عبر الحدود إلى الجزائر للانتقام؟ هل مطلوب أن تهاجم الجماهير المصالح الجزائرية في القاهرة؟
 الغريب في الأمر دخول مجموعات من المثقفين والمبدعين في حمى الهجوم على الشعب الجزائري، وتعميم جريمة ارتكبها مئات أو آلاف من الجزائريين لتصبح تهمة تلصق بشعب بأكمله؛ وبدأت بعض النقابات الفنية تتبارى في تصعيد الموقف، وتوقيع العقوبات على الثقافة الجزائرية في سابقة خطيرة تخرج بهذه النقابات عن رسالتها السامية، لكن في وسط كل هذه الأجواء المسمومة بدأت بعض الأصوات العاقلة تظهر هنا وهناك، فسارع اتحاد كتاب مصر من خلال رئيسه الكاتب الكبير محمد سلماوي إلى إصدار بيان هادئ ومتزن يليق بكتاب مصر ومثقفيها، كما أصدر مجموعة من الفنانيين والمثقفين المصريين بيانا جاء فيه: "إن الشعبين المصري والجزائري تربطهما أواصر وطيدة وعلاقات وثيقة منذ القدم تتمثل فى وحدة الدين واللغة والتاريخ المشترك، فقد اختلطت الدماء المصرية والجزائرية في العديد من معارك التحرير، ومن ثم فإننا فناني ومثقفي مصر نرفض وندين أحداث العنف المتبادل التي قامت بها قلة من الغوغاء في كلا البلدين، كما ندين الشحن الإعلامى غير المسئول وغير المبرر الذي قام به بعض الإعلاميين من البلدين.
 ونحن كفنانين عرب نؤكد ضرورة ألا يتحول المثقفون والفنانون المنوط بهم قيادة الرأي العام إلى قطيع في صفوف الغوغاء، فنهوي جميعا إلى مدارك لا يعلم مداها إلا الله.
 إن الفن والرياضة لهما أهداف سامية ترمي إلى ترسيخ القيم النبيلة والمبادئ السامية، وتوثيق عرى المحبة والتعاون بين الشعوب، لذا ينبغي أن نتسامى عن تلك الصغائر وأن نبذل قصارى جهدنا لتأكيد روح الأخوة والتعاون بين الشعبين المصري والجزائري، وألا ننساق خلف تلك الحمى من العداء غير المبرر، كما نأمل أن تواصل جامعة الدول العربية جهودها فى إجراء التحقيق المنصف الذي يبرز الحقيقة أمام الشعوب العربية ويطفئ نار الفتنة.
 إن علاقات الشعبين المصري والجزائري أكبر وأعظم من عبث العابثين ودعاة الفرقة والإثارة والتحريض وصناع الدسيسة الذين يلحقون أكبر الضرر بمصالح الشعوب العربية جمعاء".

وفي الجزائر أصدر مجموعة من المثقفين الجزائريين بيانا بعنوان "لا للشوفينية ـ نداء إلى الضمير" جاء فيه: "نحن المثقفون الجزائريون الموقعون أسفله على مختلف آرائنا و تصوراتنا لواقع إدارة مؤسساتنا الوطنية وخاصةالشبابية منها، نعلم الرأي العام الجزائري و الدولي بأننا نحتج و نندد بأوضح عبارات الاحتجاج و التنديد بالأسلوب الشوفيني المقيت الذي أدارت به المؤسسات الإعلاميةالرسمية والخاصة في كل من البلدين الشقيقين الجزائر ومصر، بكافة أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة تغطية مقابلة كرة القدم بين المنتخبين الشقيقين،هذه التغطية التي حولت التنافس الرياضي الأخوي النبيل إلى فتنة بين الشعبين الشقيقين اللذين تمتد أخوتهما إلى قرون عديدة و ستظل هذه الأخوة قائمة إلى الأبد.
 إن الشعب الجزائري لا يمكنه أن ينسى لحظة واحدة أن الإعلام المصري كان مقاتلًا قويًا و سندًا مكينًا له في ثورته التحريرية الكبرى (1954 – 1962). كما أن الشعب المصري ليس بإمكانه أن ينكر أن دماء الجزائريين سالت مدرارة في حربي الاستنزاف وأكتوبر ضد عدوهما الوحيد المتمثل في المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني. وهذا التلاحم لايمكن أن تهزه بعض الممارسات الإعلامية والسياسية غير المسؤولة في كل من البلدين، والتي برهنت بمعالجتها الشوفينية المقيتة وبألفاظها وعباراتها القاسية وبتحريضها للشباب وتحويل طاقاتهم الخلاقة في ملاعب التنافس الأخلاقي الرفيع. إننا كمثقفين جزائريين ندعو ونناشد الإعلاميين وكذلك السلطات المعنية في البلدين إلى تبني خطاب إعلامي ومواقف تتميز بالرزانة والوعي برهانات المستقبل وبالمخاطرالكبرى التي يمكن أن يؤدي إليها الخطاب الشوفيني المتشنج وغير المسؤول والذي يعرض علاقة الشعبين التاريخية إلى الخطر من خلال نشر ثقافة الكراهية الضغينة والحقد المتبادل. وتبقى ثقتنا عالية في أن الأحداث المؤسفة التي حدثت سيجرفها صمود الشعبين الشقيقين ووعيهما كما جرف من قبل مؤامرات الماضي."
 وعلى بريدي الإلكتروني وصلني مشروعين لبيانين لجمع التوقيعات عليهما يسيران في نفس اتجاه التهدئة، الأول من مجموعة من السينمائيين على رأسهم المخرج يسري نصر الله والثاني من الصديق محسن بدوي وجاء فيه: "نحن الموقعين أدناه وقد أفزعنا ما وصلت إليه العلاقات المصرية الجزائرية من تدهورفى الأيام الأخيرة إثر مباراة المنتخبين المصرى والجزائرى وما سبقها وتلاها من أحداث مؤسفة أضرت بالعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين، نؤكد:
 إدانتنا الكاملة للتصرفات غير المسئولة التى أقدم عليها متعصبون من الجانبين ونرفض الإعتداءات التى تعرض لها مصريين فى الجزائر والخرطوم بذات القدر الذي نرفض به تعرض أى مواطن جزائرى للأذى على أرض مصر.
كما ندين تصرفات بعض الإعلاميين غير المهنية من الجانبين ونطالب نقابتى الصحفيين بالبلدين بإجراء تحقيق عاجل مع هؤلاء وتوقيع الجزاء المهنى على من تثبت إدانته فى تعميق الخلافات بين الجانبين.
ونطالب الرئيسين مبارك وبوتفليقة بإصدار تعليماتهما لوقف الحملات الإعلامية المتبادلة فورا.
كما نطالب المسئولين فى البلدين بالتحلى بأعلى قدر من ضبط النفس والعمل المشترك على وقف التدهور الحاصل فى العلاقات بين البلدين مع الحفاظ على الإحترام والود المتبادلين.
وايضا ندعو الجامعة العربية (بيت العرب) وامينها العام عمرو موسى للعمل على وقف التدهور والعبث بمقدرات الشعبين.
ونناشد مؤسسات المجتمع المدنى والقيادات الشعبية والمثقفين والكتاب فى البلدين على تدارك الأخطاء التى أرتكبها البعض من هنا وهناك والبحث فى آليات عمل مشتركة تبنى ولا تهدم وتعيد العلاقات بين الشعبين إلى سابق عهدها من الود والإحترام."
 ربما ينتصر طريق العقل.
الدستور 25 نوفمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق