السبت، 25 فبراير 2017

مخربشات
الإرهاب مرة أخرى
عماد أبو غازي
 مرة أخرى تعود الأعمال الإرهابية المتسترة بشعارات إسلامية لتضرب في شهر واحد، في لندن مرتين وفي شرم الشيخ مرة، فضلا عن المسلسل اليومي للإرهاب الإسلامي/البعثي في العراق، والأعمال الإرهابية الإجرامية مجهولة المصدر في لبنان، وتدعونا هذه الأحداث المتوالية التي تندرج تحت الجرائم المعادية للإنسانية إلى وقفه مع النفس، لنفكر كيف نقف ضد الإرهاب بكل أشكاله ونواجهه مهما كانت مسمياته ومبرراته، وفي تقديري إننا نتحمل جميعا قدرا من المسئولية فيما يحدث، فالمواجهة الأمنية للإرهاب ضرورية لكنها غير كافية وحدها، فقد تنجح في منع جريمة إرهابية هنا أو تكشف مرتكبي جريمة أخرى هناك، لكنها لن تقضي على الظاهرة، قد تحجم منها بعض الشيء لكنها لن تجفف منابع الفكر الإرهابي، فالأمر لا يقتصر على  من يحملون الرشاش والقنبلة أو على من يحولون أنفسهم إلى قنابل بشرية تنفجر في الأبرياء لتقتلهم أو على من يضعون قنبلة موقوتة في عربة قطار، فهذه كلها أعراض للظاهرة الإرهابية، أما جذور المشكلة فتكمن في نظام القيم السائد لدينا، نظام القيم الذي يعلي من الإرهاب ويقدم الإرهابي باعتباره بطلًا، والأمر هنا لا يقتصر على تيار الإسلام السياسي وحده بل يمتد لمعظم التيارات الفكرية والسياسية على الساحة العربية الآن وفي الماضي الممتد لسنوات طويلة إلى الوراء مع بدايات النهوض الوطني في أوائل القرن العشرين، فالكل شركاء بين ممارس للإرهاب بشكل أو بآخر، ومؤيد له مباشرة أو مواربة أو صمتًا عن مواجهته تحت ذرائع ودعاوى متعددة.
 إذًا فالخطوة الأهم والأكثر تأثيرًا في مواجهة الإرهاب واقتلاع جذوره من تربتنا تكمن في مواجهة أنفسنا مواجهة فكرية وثقافية وسياسية، ومراجعة ما نغرسه في نفوس أبنائنا من قيم ومبادئ، ففي تاريخنا الحديث عشرات من جرائم الاغتيالات السياسية التي ارتكبت باسم الوطنية مرات وباسم الدين مرات أخرى، وقد اعتدنا ـ أو اعتاد بعضنا على الأقل ـ على أن يقدم مرتكبي هذه الجرائم باعتبارهم أبطالًا، رغم أنهم في الحقيقة إرهابيون نصبوا من أنفسهم مدعين وقضاة وجلادين، اتهموا، وحاكموا دون دفاع، وأدانوا، ونفذوا حكمهم، فعندما نقدم إبراهيم الورداني قاتل بطرس باشا غالي باعتباره بطلًا وطنيًا، ويكتب شوقي ـ المحافظ الموالي للخديوي ـ فيه قصيدته التي مطلعها: صداح يا ملك الكنار ويا أمير البلبل، ونقدم حسين توفيق وزملاءه الذين اغتالوا أمين عثمان كأبطال ويكتب إحسان عبد القدوس ـ الوطني الليبرالي ـ روايته "في بيتنا رجل" ليمجد جريمتهم، وتتحول هذه الرواية إلى فيلم سينمائي يدفعنا جميعًا للتعاطف مع الشاب الذي ارتكب جريمة الاغتيال، وحين يطلق بعض الإسلاميين والقوميين على خالد الإسلامبولي قاتل أنور السادات لقب الشهيد، عندئذ لا بد أن تختل الموازين، ومن هنا تأتي البداية في تكوين الصورة المزيفة للبطولة في وجدان شبابنا وأطفالنا، في تقديم القاتل باعتباره بطلًا وطنيًا أو شهيدًا في سبيل الله، وهذه مجرد أمثلة على حالات الخلل في المعايير والقيم التي تسمح لنا بصناعة أبطال هم في الحقيقة قتلة مهما تخفت جرائمهم وراء دوافع وطنية وشعارات نبيلة، إنهم يقتلون خصومهم لاختلافهم معهم في الرأي أو الرؤية أو منهج العمل السياسي، فهم يمنحون صكوك الوطنية والإيمان، ويعطون أنفسهم الحق بغير حق في إصدار الأحكام بالخيانة والكفر على خصومهم، قد نشفق عليهم، قد نرثى لحالهم، قد نقر بأنهم ضحايا للقيم الخاطئة في المجتمع، لكنهم ليسوا أبطالًا بحال من الأحوال.
 علينا أن نمتلك الشجاعة لتصحيح تلك المفاهيم الملتبسة ومواجهة دعاة الابتزاز الوطني، علينا أن نكف على تقديم القتلة باعتبارهم أبطالًا، علينا أن نمتلك الشجاعة لنتوقف عن عبارات ندين ولكن، وعن الصياغات التي تبرر الإرهاب بدعوى أنه رد على العدوان الأمريكي والإسرائيلي، وهذا لا يعني قبول الاحتلال وسياساته والموافقة على العدوان، لكن علينا أن نقدم النماذج  الإيجابية للوطنية التي يذخر بها تاريخنا وتاريخ كل الشعوب التي واجهت المستعمر، النماذج التي تعتمد على حركة الجماهير الواسعة وليس أعمال الإرهابيين، نقدم انتفاضة أطفال الحجارة في مواجهة انتفاضة العمليات الانتحارية، المظاهرات الطلابية في الثلاثينيات والأربعينيات في مواجهة الاغتيالات السياسية، عبد الحكم الجراحي ومصطفى موسى في مواجهة إبراهيم الورداني وحسين توفيق، حركة المثقفين ضد التطبيع في مواجهة عمليات ثورة مصر، المقاومة الشعبية في القناة في الخمسينات في مواجهة السيارات المفخخة في الألفية الثالثة.
علينا أيضا أن نغير الخطاب الذي نرد به على العمليات الإرهابية والذي نبني فيه الرد على أن هناك مسلمين في لندن كان من الممكن أن يموتوا في التفجيرات، وإن أغلب الضحايا في شرم الشيخ من المصريين، فهذا خطاب يحمل دون قصد من أصحابه إشارات سلبية كما لو كان القتل مبررًا ومقبولًا لغير المسلمين أو لغير المصريين.
 أخيرًا أضم صوتي إلى صوت رندة درغام في مقالها المنشور في جريدة الحياة اللندنية الجمعة الماضية في دعوتها لعصيان مدني ضد الإرهاب.


الدستور 27 يوليو 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق