الأربعاء، 29 يوليو 2020

من أرشيف مقالاتي القديمة أخطاء وخطايا في مناهج الدراسات الاجتماعية

مخربشات

أخطاء وخطايا في مناهج الدراسات الاجتماعية

عماد أبو غازي

 يكشف استعراض مناهج الدراسات الاجتماعية في المرحلة الابتدائية عن مجموعة من المشكلات المهمة التي تحتاج إلى علاجها حتى تثمر هذه المقررات الدراسية ثمارها في إكساب الناشئة معرفة تاريخية وجغرافية، وتكسبهم وعيا بقضايا المواطنة، وتنمي حس الانتماء لديهم، كل هذا بما يلائم المرحلة العمرية التي يمرون بها.

 هناك أولا مشكلات عامة، مثل عدم التوازن في عرض الحقب التاريخية، قياسا على مداها الزمني، وعلى ما حققه فيها الإنسان المصري من إنجاز، ثم ربط التاريخ المصري بشخصيات الحكام والقادة والزعماء، مما يرسخ فكرة البطل الفرد ويغيب قيمة المنجز الجماعي للشعب المصري، ثم هناك الأخطاء العلمية المتعددة، فضلا عن ضحالة المادة المقدمة في هذه المقررات الدراسية، عكس ما يشاع ويتردد عن الحشو في المناهج الدراسية، وأخيرا عدم ترسيخ قيام المواطنة والتعددية بشكل واضح في المناهج.

 وإذا انتقلنا إلى أمثلة تفصيلية، فمنها أن تاريخ مصر القديم مختزل بصورة مخلة، بصورة  تؤدي إلى جهل التلميذ بتاريخ بلاده، بصورة لا تتناسب مع المدى الزمني الذي استغرقته الحضارة المصرية القديمة، ولا مع الإنجاز المهمة الذي حققته تلك الحضارة للإنسانية، ولو قارنا بين ما يدرسه التلاميذ المصريين في المرحلة الابتدائية عن تاريخ بلادهم وما يدرسه التلاميذ الفرنسيين في نفس المرحلة عن تاريخ مصر القديم لاكتشفنا مدى هزال مناهجنا وضعفها، ويجب أن نتذكر جيدا أن الحقبة المصرية القديمة في تاريخنا هي مرحلة التأسيس، والمرحلة المشتركة التي تجمع كل عناصر الأمة وتوحد بيننا، فالاهتمام بها فضلا عن أنه يكسب التلاميذ معرفة تاريخية عن بلادهم ينمي فيهم قيم الانتماء والمواطنة.

 أما القسم الخاص بتاريخ مصر الإسلامي فيحتل مساحة كبيرة بالنسبة للمدى الزمني لهذه المرحلة من تاريخ مصر قياسا على العصور السابقة عليها، ورغم ذلك، فإن المقرر الدراسي لا يبرز الإنجازات الحضارية في تلك الحقبة التاريخية المهمة ويغفل الكثير منها، ولا يقدم بشكل واضح وسلس كيف كانت في تلك المرحلة عناصر وصل واتصال بالمراحل التاريخية السابقة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بإفراد مساحة أوسع في المقررات الدراسية للتاريخ الاجتماعي وللمظاهر الثقافية والحضارية.

 كذلك فإن تاريخ مصر منذ الاحتلال العثماني حتى العصر الحالي مختصر بشكل مخل، والكتب الدراسية لا تتوقف إلا عند الأحداث السياسية الكبرى التي تربطها بشخصيات الحكام والزعماء، والرؤية الحديثة في الدراسات التاريخية لا تغفل بالطبع الشخصيات الكبرى في التاريخ، لكنها أيضا لا تختذل التاريخ في هذه الشخصيات.

  المقررات بشكل عام لا تنتج سوى أطفال لا يعرفون عن تاريخ بلدهم إلا قشور سطحية، وهذه خطيئة.

 الصورة ليست قاتمة بالكامل فهناك تطور واضح في المقررات الدراسية قياسا على مرحلة سابقة، من حيث التعامل الإيجابي مع مراحل مختلفة من تاريخنا الأمر الذي كان يغيب عن مناهجنا من قبل، ومن أمثلة ذلك الاهتمام بإبراز الحقبة المسيحية في التاريخ المصري، أو بمعنى أدق التحولات التي حدثت في المجتمع المصري بعد دخول المسيحيية إلى مصر. كذلك تقديم الحقبة البطلمية، لكن المادة العلمية مع ذلك تظل دون ما يحتاجه التلميذ وما يمكن أن يستوعبه في هذه المرحلة.

 كذلك يحسب لمقررات الدراسات الاجتماعية في المرحلة الابتدائية إبراز قضايا البيئة والحفاظ عليها، والمشكلات التي تترتب على التلوث بأنواعه المختلفة، وهذا توجه مهم ينبغي التركيز عليه لتنمية الوعي البيئ منذ مرحلة الطفولة.

 من التطورات الإيجابية في المقررات الدراسية الاهتمام بالصورة في الكتاب، واعتماد معظم الدروس على الصور والرسوم التوضيحية والخرائط، وهذا إيجابي بشكل عام، لكن كي تكتمل هذه الإيجابية لابد من الاهتمام بدقة المعلومات والبيانات على الخرائط والصور، ويجب أن تستخدم الصور الاستخدام الصحيح والدقيق دائما ولا توزع بشكل عشوائي.

 من اللافت للنظر أيضا أن المقررات الدراسية تؤكد في كل وحدة دراسية تقريبا على الاهتمام بالأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها التلاميذ تحت إشراف المدرسين  أو يمارسونها بمفردهم، وكذلك التأكيد على اللجوء إلى الزيارات الميدانية والرحلات كوسائل تعليمية أساسية، وهذا اتجاه إيجابي مهم للغاية غاب عن منظومتنا التعليمية منذ سنوات.

 لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تتوافر في مدارسنا الحكومية العادية بل وحتى التجريبية إمكانيات ممارسة مثل هذه الأنشطة؟

 أشك في ذلك.

 وأعتقد أنه إذا لم تتوافر إمكانيات تنفيذ مثل هذه الأنشطة والرحلات العلمية فإن تضمينها في المناهج يأتي بنتائج سلبية على العملية التعليمية وعلى الطلاب، من ناحية العملية التعليمية، لن يحصل التلميذ أجزاء مهما مما يفترض أن يحصلها، بسبب أن من وضعوا المقرر الدراسي يفترضون أن هذه الأجزاء من المقرر ستغطيها الأنشطة والرحلات، أما من ناحية التلاميذ فسوف يشعرون بالإحباط من عدم تنفيذ هذه الأنشطة، كما سيكتشفون مدى عدم الجدية في العملية التعليمية وسترسخ عندهم هذه الحالة قيما سلبية.

 الدستور أكتوبر ٢٠١٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق