الأربعاء، 5 ديسمبر 2018

أيام أفريقية... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
أيام أفريقية
عماد أبو غازي
 على مدى ستة أيام شهدت القاهرة لقاءات ثقافية أفريقية متواصلة، بدأت في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية بافتتاح مؤتمر "تفاعل الثقافات الأفريقية في عصر العولمة" الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة على مدار أربعة أيام، وشارك فيه أكثر من سبعين من مثقفي القارة الأفريقية ومبدعيها وباحثيها، من مصر والسودان وإرتيريا وأثيوبيا والصومال وكينيا وتنزانيا وموزمبيق وجنوب أفريقيا وغانا والسنغال ونيجريا والنيجر ومالي وتشاد وموريتانيا والمغرب وتونس وليبيا.

كلمتي في افتتاح الملتقى الأول للثقافات الأفريقية
 وقد أعقب هذا المؤتمر، وعلى مدى يومين، اجتماع تشاوري تخطيطي للكوديسريا (مجلس تنمية البحوث الاجتماعية في أفريقيا) لدراسة دمج اللغة العربية في اللغات المستخدمة في المجلس، في محاولة لتحقيق مزيد من التفاعل بين الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية في شمال القارة وباقي زملائهم، وقد شارك في الإعداد مركز البحوث الأفريقية العربية بالقاهرة، الذي يرأس مجلس الأمناء به المفكر الكبيرسمير أمين، ويديره واحد من الأسماء البارزة في مجال الدراسات الأفريقية بمصر، حلمي شعراوي.
 كانت أفريقيا في بؤرة الاهتمام الثقافي في القاهرة على مدى الأسبوع الماضي، أفريقيا التي غابت كثيرًا عن اهتمامتنا عادت مرة أخرى لتحتل مكانتها ضمن أولوياتنا الثقافية.
 لقد كان مؤتمر تفاعل الثقافات الأفريقية مجرد بداية، فالمؤتمر لن يكون الأخير، بل سيعقد بشكل دوري مرة كل عامين، وإذا كانت الدورة الأولى للمؤتمر قد اتخذت لها موضوعًا شديد العمومية باعتبارها بداية أولى للتفاعل والتعارف، فسوف تخصص كل دورة من دورات المؤتمر لمجال معرفي أو إبداعي، أو لموضوع بيني محدد.


 والاهتمام بأفريقيا ينبع من أفريقية مصر جغرافيًا وحضاريًا، فإذا كانت أفريقيا منبع الحضارة الإنسانية، بل منبع الإنسانية نفسها، فمنها خرج الإنسان الأول، وعلى أرضها ظهرت أقدم الحضارات على كوكبنا، فإن الحضارة المصرية القديمة تعد أقدم حضارات قارتنا المعروفة، وإذا كانت الحضارة المصرية قد تفاعلت طوال التاريخ مع حضارات البحر المتوسط وغرب آسيا وأثرت فيها وتأثرت بها، فإن جذور الحضارة المصرية جذورا أفريقية، كما أن تأثيرتها امتدت إلى داخل القارة أيضًا.
 ولما كانت الحضارة ـ أية حضارة ـ هي نتاج إبداع العقل والفكر الإنساني عندما يمارسان نشاطهما في حرية وتسامح وفي إطار حوار حر خصب مع الآخرين، فإنها لا تستطيع أن تعيش منعزلة عن غيرها من الحضارات، وبقدر ما يحمل تاريخ قارتنا من مشاهد للصراع الحضاري بقدر ما يحمل أيضًا صورًا للحوار والتفاعل، لقد قدمت قارتنا للعالم في عصور مختلفة نماذج لهذا الحوار، ففي داخلنا يكمن نسيج حضاري متميز، تشكل على امتداد قرون طويلة من تفاعل حضارات وثقافات عديدة امتزجت كلها لتقدم للبشرية انجازات رائعة فى شتى مجالات العلوم والفنون، لم تزل بعض شواهدها قائمة إلى يومنا هذا، وما زالت القارة تحمل إمكانيات كبيرة كامنة تتيح لشعوبنا فرص التطور والانطلاق.
 وأظن أن الثقافة مدخلًا مهمًا كي نحقق أحلامنا وآمالنا في مستقبل أفضل لقارتنا، فكما أكد تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، بحق، فإن: "الثقافة والقيم هما روح التنمية، فهما توفران زخمًا لها، وتيسران الوسائل اللازمة لتعزيزها، وتحددان تصور الناس لأغراضها وغايتها، إضافة لذلك فإنهما تساعدان على تشكيل آمال الناس ومخاوفهم، وطموحاتهم ومواقفهم، وأفعالهم اليومية، وتشكلان مُثل الناس، وتلهمان أحلامهم في حياة فاضلة لهم ولأجيالهم القادمة".
 هذا وتميل الرؤى الجديدة فى التنمية إلى أنه لتعزيز التنمية الإنسانية لابد من إيلاء اهتمام خاص بعدد من القيم التى تدفع بالتنمية إلى الأمام، مثل التسامح واحترام التنوع الثقافي، ومراعاة حقوق واحتياجات المرأة والشباب والأطفال، وحماية البيئة، ودعم شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الضعفاء، وعدم التساهل مع قضايا البطالة المفرطة، وتقدير قيمة المعرفة والتعليم، والاهتمام بالمفاهيم التى تؤدى إلى تحقيق الكرامة والرفاه الإنسانى.
 كما أن مفهوم التنمية لم يعد قاصرًا الآن على محاولة اللحاق اقتصاديًا بالدول الأكثر تقدمًا بقدر ما يهتم بالكشف عن قدرات الشعوب وإمكان استغلالها، الأمر الذي يعنى ضرورة التعرف على ثقافات الشعوب ودراستها دراسة عميقة لفهمها والاسترشاد بها، من أجل صياغة سياسات ثقافية تسهم في رقي شعوبنا، وتضع التنمية الشاملة لمجتمعتنا نصب عينيها.
 إن الربط بين إستراتيچيات العمل الثقافي وأهداف المجتمع التنموية بات ضرورة لازمة لتحقيق التنمية في ظل معطيات مجتمع المعرفة، إذ أن السياسة الثقافية لن تؤتى ثمارها ما لم نشارك جميعًا ـ مثقفون وأجهزة ثقافية ـ في دفع عجلة التنمية الشاملة، خاصة وأن أي خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تظل قاعدتها هشة ما لم تستند إلى تنمية ثقافية جذرية، تعتمد ديمقراطية الثقافة باعتبارها هدفًا ووسيلة في آن واحد.
 وللحديث بقية.
الدستور 19 مايو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق